جانب ثالث من جوانب تربية المرأة على الجهاد في سبيل الله وهو: تنمية الصبر عند البنات من خلال البيت والمدرسة والمسجد؛ لتكون كل واحدة منهن كـ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، لأن المرأة إن لم تكن امرأة صبور فإنها لا يمكن أن تربي أولادها على الجهاد في سبيل الله عز وجل، وأنتم تعرفون كثيراً من الأمهات بمجرد أن تسمع كلمة الجهاد والقتال تحاول أن تحوط أولادها، وربما لا تسمح لولدها أن يسافر خوفاً عليه من أن يحصل له حادث في الطريق، فكيف تقبل بفلذة كبدها أن يقاتل في سبيل الله؟! لن تفعل إذا لم تترب على الصبر.
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لها موقف طريف رواه مسلم في صحيحه، يقول أبو نوفل: [[رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة مكة -يعني مصلوباً- قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس يمرون عليه، حتى مر عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنه فوقف عليه، وقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما -والله- لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، -لأن ابن الزبير حصل قتال بينه وبين بني أمية فقتلوه بمكة.
ثم قال: أما -والله- لقد كنت صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما -والله- لأمة أنت شرها لأمة خير -أي أن أمة يعدونك من أشرارهم حتى يقتلوك فهي أمة خير- ثم ذهب عبد الله بن عمر، فبلغ الحجاج موقف عبد الله بن عمر وقوله؛ فأرسل إلى عبد الله بن الزبير فأنزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها يقول: فأتيني، فأبت أسماء أن تأتي إلى الحجاج، فأعاد عليها الرسول قال: تأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فقال الحجاج: أروني سبتيتي -نعالي- ثم انطلق حتى دخل على أسماء، فقال: كيف رأيتيني صنعت بعدو الله -أي ولدها-؟]] وانظر المنطق، انظر التربية، وانظر كيف دور الأم إذا ربيت، فما بكت ودمعت وقالت: الله يخلف علي، وراح ولدي والله المستعان، بل قالت بلهجة المرأة الواثقة الحكيمة: [[رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك]] أي: ما تمتع بالعز والملك والإمارة التي كان يريدها، لكنه أفسد عليك آخرتك بأنك سوف تلقى الله عز وجل بدم مسلم، ثم بدأت توبخ الحجاج فقالت: [[بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين -أي تعيره- نعم، أنا والله ذات النطاقين، أما أحدهما فقد كنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومبيراً -والمبير هو الذي يكثر القتل- أما الكذاب فقد عرفناه ورأيناه]] تعني: المختار بن أبي عبيد كان يدعي النبوة وهو من ثقيف، وقد جاء أن المختار بن أبي عبيد هذا هو أخو صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر رضي الله عنه، جاء قوم إلى عبد الله بن عمر فقالوا: [[يا أبا عبد الرحمن إن المختار -خال أولادك- يزعم أنه يوحى إليه، فقال: صدق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم]] تقول: أسماء للحجاج: [[أما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه (أي أظنه أنت) ، قال: فقام الحجاج عنها حزيناً كسيفاً ولم يراجعها.
]] ولها مواقف عجيبة: لما حوصر ولدها، جاء إليها وقال: يا أم ماذا ترين، الآن أصحابي قد تخلوا عني وهربوا وانطلقوا، وأنا حوصرت بمكة، وليس معي سلاح، ولا أتباع، أو أعوان وأنصار، فماذا ترين أن أصنع؟ قالت له: يا ولدي! إن كنت إنما قاتلت من أجل الدنيا فبئس العبد أنت، وإن كنت قاتلت من أجل الآخرة فاصبر واحتسب.
قال: يا أم أخشى أن يمثلوا بي! يقول: أنا لست خائفاً من الموت، لكن أخشى إذا مت أن يمثلوا بجثتي على خشبة، ويقطعون يدي أو رجلي أو أنفي أو ما أشبه ذلك، فقالت له: وماذا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟! فإذا قتلوك فليمثلوا بك وليفعلوا ما شاءوا، فلما رأى موقفها وشجاعتها، قام إليها وقبل رأسها، وقال: والله يا أمي ما أردت إلا أن تقوي موقفي وإلا فلم يكن من نيتي الفرار ولا الاستسلام، فقاتلهم حتى قتل.
إذاً نحن نريد تربية نساء كـ أسماء رضي الله عنها، تكون وراء ولدها تقويه وتصبره.