معركة حطين

مثل آخر أقوى وأعظم: في معركة حطين: وكان المسلمون يعيشون في حالة من الضعف والفرقة والذل والهوان ما الله تعالى بها عليم، ثم عادوا إلى التزامهم بالكتاب والسنة، وسرت فيهم روح الجهاد وأعدوا الأمة كلها للجهاد في سبيل الله عز وجل، وخلال بضع عشرات من السنين غير الله تعالى حالة القوم بعد أن غيروا ما بأنفسهم، فكان النصر المؤزر في حطين على يد البطل المظفر المعروف صلاح الدين رحمه الله تعالى، فكيف كان ذلك؟ لذلك قصة تطول، لكن المهم أنه بعد أن انتشر في المسلمين الظلم، وشاع بينهم التعصب المذهبي والجهل، وانتشر التصوف، ولهى السلاطين في منازعاتهم وشهواتهم وانشغالاتهم وملذاتهم، حتى أن أحد الوفود الذين ذهبوا من الشام إلى بغداد يستنجدون بالخليفة، وكان معهم كيس مملوء بالجماجم وشعور النساء والأطفال، فنثروها بين يدي المسئولين لإثارة الحماس، فكان جواب الخليفة أنه قال لوزيره: دعني من هذا لا تعكر مزاجي، أنا في شيء أهم من هذا، إن حمامة البلقاء لي ثلاثة أيام لم أرها.

فالخليفة مشغول بحمامته التي لم يرها منذ ثلاثة أيام، ولذلك لا يهمه أن تنثر أمامه جثث وأشلاء المسلمين في كل مكان.

بعد ذلك بدأ صلاح الدين بتهيئة المسلمين للجهاد في سبيل الله، فأسس المدارس وجعل الدولة تشرف عليها وتدفع رواتب المدرسين، وعرفت هذه المدارس في التاريخ باسم المدارس النظامية، وكان هذا سبباً في انتشار العلم بين الناس، والاهتمام بالكتاب والسنة، ومعرفة الأدلة الشرعية.

ومن بعد ذلك بدأ صلاح الدين حركة إصلاحية تجديدية على كافة المجالات السياسية والتربوية والاقتصادية، ونشطت الدولة في تدريب الجماهير تدريباً عسكرياً، وبث الروح في نفوس الأمة حتى تزايدت العناية بذلك، وأقام نور الدين زنكي ساحات وميادين للتدريب في دمشق، وألف كتاباً في الجهاد، وكان التدريب يقوم على دعامتين: الدعامة الأولى: الإعداد المعنوي والروحي.

والدعامة الثانية: التدريب العسكري.

وفي هذه الساحات والميادين تربى الشاب صلاح الدين الأيوبي وكان نور الدين نفسه يساهم في ميادين التدريب، مثل ركوب الخيل ولعب الكرة، وليس المقصود الكرة الموجودة بل كانت كرة تلعب عن طريق رميها أمام الخيول ثم الجري وراءها، وكانت هذه الساحات والميادين متكاملة البرامج والرجال، فكان فيها مجلس عام للقيادات التربوية يحضره كبار العلماء، وتناقش فيه كافة الموضوعات بروح علمية بعيداً عن التعصب المذهبي أو الحزبي، وكان نور الدين يجلس أمام العلماء كفرد عادي، ولقد ترتب على هذه الجهود تغيير ما بأنفس الناس من أفكار وتصورات وقيم واتجاهات؛ حتى برز جيل مسلم يختلف عن الأجيال السابقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015