التثبت في القول على الله

منها: التثبت في القول على الله تعالى، وهذا من أخطر الأمور فإنه إذا كان كذب الشخص على إنسان مثله فيه من الخطورة ما فيه، حتى إنه من الكبائر العظام التي لا تغفر إلا بالتوبة، فما بالك بالكذب على الله تعالى؟ وذلك كفر بالله تعالى، ولهذا قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] .

فجعل القول على الله بغير علم قريناً للشرك بالله تعالى، لأن الذي يقول على الله جعل نفسه مشرعاً مع الله، فإذا كان الإنسان يقول مثلاً: إن الله تعالى حرم هذا، وأباح هذا، واستحب هذا، وكره هذا.

أليست هذه تشريعات وأحكاماً؟ بلى.

فهو مثل الذين يضعون قوانين من عند أنفسهم، وينسبونها إلى الله عز وجل، ولهذا قال الله عز وجل عن اليهود والنصارى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31] وذلك لأنهم أطاعوهم في الحرام والحلال، فأحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم، وهذه عبادتهم كما جاء في الترمذي من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عنقه صليب يلمع من الذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك، ثم وضع له وسادة فسمع الرسول عليه الصلاة والسلام يتلو هذه الآية، فقال: يا رسول الله! إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتطيعونهم؟! قال: بلى.

قال: ويحلون ما حرم الله فتطيعونهم؟! قال: بلى.

قال: فتلك عبادتهم} الحديث في المسند، والترمذي وغيره بألفاظ مختلفة، وهذا أحدها، وسنده لا بأس به إن شاء الله.

إذاً: القول على الله تعالى بغير علم بتحليل الحرام، أو بتحريم الحلال هو من أخطر الأمور، وهو من الكذب على الله- تعالى- إذا كان الإنسان غير متثبت؛ ولهذا قال الله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] .

فاعتبر أن كون الإنسان يقول: هذا حلال، وهذا حرام بغير علم نوعاً من الكذب على الله {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] وقال في موضع آخر: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء:171] .

إذاًً: من أخطر أنواع التثبت التثبت في القول على الله تبارك وتعالى، فلا تقل: إن الله تعالى قال: كذا، ولم يقل.

قد ينتشر عند الناس قول منسوب إلى رب العزة جل وعلا، وهو غير صحيح، مثلاً: كثير من العامة أحيانا يجلسون إلى إنسان مريض فيقول: يا أخي يا فلان لم لا تتعالج؟ الله عز وجل يقول: (وجعلنا لكل شيء سببا) فإذا قلت له: هذه الآية في أي موضع؟ لم يحر جواباً، ولم يدر، والواقع أن هذه ليست قرآناً، ولا قالها الله عز وجل فيما علمنا من كلامه تعالى في الكتاب، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما شاع عند بعض العامة أنها من كلام الله تعالى وليست كذلك! ومن الطرائف أني أذكر -حين كنت صغيراً- أن أحد العامة جاء بهذه الكلمة وقال إن الله عز وجل يقول: وجعلنا لكل شيء سببا فقلت له: إن هذا ما قاله الله وليس في القرآن، فالتفت إليَّ، وقال: بلهجته: كل شيء تغير، الدين تغير، يقول: أنتم بدأتم تنكرون أشياء ثابتة!! هذا معنى كلامه، لماذا؟ لأنه اعتاد على ذلك وظنه صحيحاً، فهذا من القول على الله تعالى والكذب عليه.

وكذلك من الكذب على الله تعالى أن بعض الناس يروون الأحاديث القدسية التي فيها قال الله -تعالى- وليست صحيحة، وقد يكون الحديث القدسي طويلاً جداً، ولا يصح منه حرف واحد، والغريب أن الكذب في الأحاديث القدسية ربما يكون أكثر من الكذب في الأحاديث النبوية، أي أن نسبة الأحاديث القدسية الموضوعة إلى الأحاديث الصحيحة قليلة، فكثير من الأحاديث القدسية ضعيف، أو موضوع، وفيها الصحيح، لكنَّ كثيراً من الناس لا يتثبتون ولا يميزون بين هذا وذاك، مع أنه يكثر في الأحاديث القدسية الضعيف، بل ويكثر فيها الموضوع؛ فعلى الإنسان أن يتثبت ويرجع إلى كتب أهل العلم مثل كتاب ابن بلبان، أو كتاب الأحاديث القدسية، الذي نشره مجمع البحوث، ويتأكد من رواية الحديث، أهو صحيح أم غير صحيح؟ ومن القول على الله والكذب على الله، الكذب في الأحكام؛ بتحليل الحرام، وتحريم الحلال، والتسرع في ذلك من غير حجة ولا تثبت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015