مثال آخر: حادثة الإفك: لما قال أصحاب الإفك في عائشة رضي الله عنها ما قالوا، وفاض ذلك في الناس، ربى الله تعالى المؤمنين من خلال هذه الحادثة على آداب وأخلاق عظيمة {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:12] ولذلك قال أبو أيوب رضي الله عنه لما سألته زوجته أم أيوب، قالت: يا أبا أيوب! أسمعت ما قيل؟ قال: نعم، يا أم أيوب! وذلك الكذب، ثم قال لها: يا أم أيوب! أرأيت لو كنتِ مكان عائشة، أكنت تفعلين؟! يعني لو كنتِ مكان عائشة هل يمكن أن ترتكبي الفاحشة؟ قالت: لا، قال: لو كان أبو أيوب مكان صفوان أكان يفعل؟! قالت: لا! قال: فـ صفوان خير مني، وعائشة خير منكِ! إذاً نحن نظن بأنفسنا خيراً! ومثلما ما أنني لا أظن بنفسي ولا بزوجي أن يقع منا مثل ذلك، كذلك لا أظن برجل من المسلمين أن يقع منه ذلك؛ ما دامت المسألة إشاعة أو شبهة أو كلاماً قيل ليس عليه من دليل.
فربى الله المؤمنين على التثبت، وعاتب أولئك الذين أفاضوا بالحديث دون أن يتثبتوا منه، وكان منهج الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك غاية الاعتدال.
فإن المتهمة الآن والمرمية هي زوجته أم المؤمنين عائشة.
وقد دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شيء عظيم، حتى قام على المنبر، وقال: {من يُعذِرني من قوم يقولون في أهلي؟ والله ما أعلم إلا خيرا!} ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يتجنب عائشة، ويقول: {كيف تيكم؟} ولا يخاطبها، فكأنه توقف في الأمر، لأنه يعلم أنه لابد أن يبين الله تعالى في الأمر بياناً كافياً شافياً، حتى نزل القرآن في براءتها رضي الله عنها.