ومما يدخل في هذا الجانب وهو -الانحراف الخفي في القلب-: أن يداخل القلب العجب والغرور، والثقة المفرطة بالنفس، والتعاظم والاستكبار عن عبادة الله، أو الاستكبار على عباد الله تعالى، ومثل هذا الإنسان إذا دخله العجب والغرور والاستكبار، مثل هذا يصل الأمر به إلى تسخط الأقدار، فهو يرى أنه مظلوم، وأن من حقه أن يكون غنياً، أو ثرياً، أو تاجراً، أو عالماً، أو رئيساً، أو زعيماً، أو ما أشبه ذلك.
يقولون: إن الأقدار ظلمتنا فصرنا متأخرين، وأولئك القوم الذين ارتفعوا، وسادوا، وعظموا، واغتنوا، ليس لهم مثلما ما لنا من العقل، ولا من العلم، ولا من المعرفة، ولا من المكانة، وحق هؤلاء في نظر أنفسهم أن يكونوا سادة مطاعين، أو زعماء، أو أثرياء، أو ما أشبه ذلك، ففي قلوبهم الاعتراض على القضاء والقدر، فهم ما رضوا بالله تعالى رباً حق الرضى وإنما في قلوبهم التسخط، وكيف فلان أغنى مني، وهذا أرفع مني، وأنا أعقل منه؟ ولماذا نال فلان المال ولم أناله أنا، مع أني أعقل من فلان؟! وما علم هذا الإنسان أنها قسمة الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف:32] فالله تعالى أعطى هذا الغنى وأعطاك العقل، والعقل لاشك خير من الغنى، والله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
إن أمثال هؤلاء لا يقبلون الحق ولا يؤمنون به ولو عرفوه، ليس لأنه الحق فقط، ولا لأنهم لم يعرفوا الحق أصلاً؛ ولكن لأن الحق جاء عن طريق فلان، وهم يرون أنفسهم أعظم منه، فكيف يتبعون من يعتقدون أنه أحط منهم منزلةً أو أحط منهم قدراً، ولهذا قال المشركون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُوا لَوْلا نزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] .
قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف:32] ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ودعا أبناء عبد كلال، قال أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما وجد الله أحداً يرسله غيرك! وقال الآخر: أنا أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك! وقال الثالث: ما ينبغي لي أن أكلمك، إن كنت نبياً فأنت أعظم من أن أكلمك، وإن كنت كاذباً على الله فما ينبغي لي أن أكلمك، المهم: أنهم ردوا الحق لأن الذي جاء به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثل هؤلاء استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيرا، فأشربت قلوبهم التعبد للذوات، والإعجاب بالنفس، والاستكبار والغرور، فلا يرون لأحدٍ قدراً، ولا يرون عند أحد علماً ولا عقلاً.