السبب الثاني: هو التهاون بالمعاصي واستثقال الطاعات، وهذا يوشك أن يكون فرعاً عن السبب الأول، وإنما أفردته بالحديث لغلبته على الناس اليوم، فإن التهاون اليوم كثير، فتجد الواحد منا يتهاون في الصغائر، ويتهاون في النظر إلى الحرام، أوفي سماع الغناء، حتى يؤدي به ذلك إلى الكبائر، وربما ترك الإنسان بعض السنن، وأدى به ذلك إلى ترك بعض الفرائض، فاليوم يترك الرواتب، وهذا يدع ويترك سائر التطوعات، وربما أخل بالفرائض أو ترك شيئاً منها؛ حتى تهون عليه المعصية، ويتطلع قلبه إليها، وتشرئب نفسه، ويتلذذ برؤيتها أو ذكرها أو فعلها، خاصة حينما يفكر في عملها ويدعوه الشيطان إليها، أما إذا تسنت له المعصية، وتيسرت له، وقارب أن يقارفها؛ فإنه تنزع عنه اللذة حينئذٍ كما ذكر ذلك غير واحد، وهذه عقوبة من الله، فلا يجد اللذة التي كان يظنها؛ حينما كانت المعصية أصلاً ينتظره وشيئاً يترقبه.
ثم تثقل عليه الطاعة -أيضاً- فيقصر في السنن الرواتب، وفي الوتر ونحوها، ثم تثقل عليه الفريضة، فلا يأتي إلى المسجد إلا جباراً جبراً، وربما كان يقضي الصلوات في الأعم الأغلب، حتى ربما ترك الجماعة، ولا مانع -أبداً- أن يأتيه الشيطان بعد ذلك كلِه ليثير معه قضية وهي مناقشة مسألة: وجوب صلاة الجماعة أصلاً، وأنه ليس هناك أدلة قوية على وجوب صلاة الجماعة، ولم يكن هذا نقاشاً علمياً، ولا قناعة عقلية لهذا الشخص بالذات، وإنما كان هذا أثراً من آثار الكسل الذي ما زال به حتى تَرك، ثم بعد ما ترك بدأ يبحث عن مسوغات ومبررات تجعله على صواب فيما فعل.
إن ثمة فرقاً كبيراً -أيها الأخ الكريم- بين مسلم أعلن إسلامه اليوم وشهد أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله، فعلمناه به، وصبرنا عليه، وصار يترقى في مدارج الكمال شيئاً فشيئاً، ويزيد من طاعته لله بالتدريج، وبين شاب آخر نشأ في طاعة الله، وفي كنف أبوين مسلمين، وفي مجتمع صالح ثم صلحت أحواله، وبدأ يتردى وينقص شيئاً فشيئا، فإذا كبر تذكر أنه قد كان في حال صباه يقوم الليل، أو كان في حال صباه يصوم الأيام البيض، أو كان في حال صباه يقرأُ حزباً من القرآن الكريم، أمَّا الآن فهو لا يوتر، ولا يصلي الرواتب، ولا يصوم إلا رمضان.