السبب الرابع: غياب القدوة أو غياب القائد، لأن القائد يسن للناس السنة الحسنة، أو يذكرهم بالسنة الحسنة فيعملون بها، يغريهم بالخير فيقبلون عليه، وينهاهم عن الشر فيعرضون عنه، ولهذا لأهمية القدوة والقائد وأثر ذلك في ثبات الناس، قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} [آل عمران:144] .
فدل على أن موت أو غياب القائد لسبب أو لآخر يؤثر في الأتباع، ويكون مظنةً لوجود تراجع، أو نكوص، أو تردد، أو ردة، ولهذا نهى الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولهذا تجد أيضاً أن ردة العرب في خلافة أبو بكر رضي الله عنه كانت بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال قائلهم:- أطعنا رسول الله إذ كان بيننا فيا لعباد الله مال أبي بكر أيورثها بكراً إذا مات بعده وتلك لعمر الله قاصمة الظهر وفي الحديث السابق -أيضاً- قال: {إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم} إن هذا يؤكد لنا أمرين في غاية الأهمية: الأول: أثر الرجال الصالحين الصادقين الذين هم في موضع القدوة والأسوة، فهم دعاة إلى الخير، آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر، صابرون على دين الله، يوصون الناس بالحق، ويوصون الناس بالصبر، إن هذه القدوات فيها التثبيت للناس، والدعم لمواقفهم، وتعزيزهم، وتصبيرهم، وتقوية قلوبهم، ولهذا كان ابن القيم رحمه الله يقول: إننا كنا نخاف -أحياناً- وتمتلئ قلوبنا رعباً فنأتي إلى الإمام ابن تيمية فيتحدث معنا بكل هدوء فإذا خرجنا من عنده كانت قلوبنا أقوى ما تكون.
الثاني: السبب الثاني الذي يؤكده أثر غياب القدوة؛ يؤكد أهمية التعلق بالشرع لا بالأشخاص حتى الأنبياء، قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} [آل عمران:144] .
فما بالك بغيره من الناس، نعم، إنَّ للعلماء والدعاة مكانة، لكن ما هي مكانتهم؟ إنَّ مكانتهم أن يعلموا الناس دينهم، وأن يعلموهم النصوص الشرعية، وأن يكثروا في المجتمع من الفقهاء، والمفتين، والمجتهدين، والدعاة، والصادقين، والمستبصرين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن الأمة معصومة في جملتها أن تجتمع على خطأ أو ضلال، ولكن الأفراد ليسوا معصومين، ولهذا ينبغي أن يكون عندنا عدل وتوازن، وأن لا نبالغ في التعلق بالأشخاص، وأن يكون تعلقنا بالمنهج، وبالدين، وبالشريعة، وبالمبدأ، أما الأشخاص فيذهبون ويجيئون، ويحيون ويموتون، بل ويهتدون ويضلون، ويصيبون ويخطئون، أما المنهج أي الشريعة والدين فهو تنزيل من حكيم حميد.