إذاً من الواجب علينا جميعاً أن نخاف على أنفسنا من أن نتحول إلى الضلال بعد الهدى، أو يخاف أحدنا على أمته، أو على بعض شعوبها، أو أممها أن يتحولوا إلى أعداء الدين، كما هو في خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما هو في واقع الحياة التي نشهدها ونراها اليوم، مع أن الله تعالى وعد بأنه في حالة التخلي، والفرار، والتراجع، والنكوص؛ بأنه سيقيض لهذا الدين من ينصره، ويقوم به، وهذا وعد من الله تعالى كريم عظيم، وكل ضعف معه لطف، فحينما توجد هذه الردة؛ يقيض الله تعالى لهذا الدين من ينصره، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54] وكما قال سبحانه: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] .
ولهذا لما حصلت الردة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، قيض الله تعالى للإسلام والمسلمين أهل اليمن كـ أبي موسى الأشعري وأتباعه، وقيض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من القراء الذين نصروا الإسلام وأعزوا الملة، وقاوموا الكفار وحاربوا المرتدين حتى انتصر الإسلام ودانت الجزيرة العربية كلها للإسلام، وخضعت للحكومة الإسلامية التي كان يقف على رأسها أبو بكر الصديق رضي الله عنه تعالى وأرضاه.
واليوم ونحن نجد مظاهر الردة تبين في العالم الإسلامي، من أقصاه إلى أقصاه، سواء في الذين يتركون الإسلام إلى دين آخر فيتنصرون -مثلاً- أو يأخذون بالشيوعية، أم يأخذون بالأديان الأخرى المختلفة، أو في أولئك الذين يتخلون عن الدين ويتركونه إلى غير شيء، فيصبحون من الغافلين اللاهيين في دنياهم؛ فإننا نشاهد إلى جوار ذلك وعد الله تعالى يتحقق، فيظهر أولئك المؤمنون الأبرار الأخيار من رجال الصحوة، ومن العلماء، والدعاة، والمخلصين، والمجاهدين في سبيل الله، الذين لا يخلوا منهم مكان، ولا دولة، ولا قطر؛ بل إنك تجد أن تلك الجمهوريات التي عاشت تحت مطارق الشيوعية أكثر من سبعين سنة، وكانوا يستخدمون الحديد والنار في صرف الناس عن دينهم، ويقتلون الإنسان بمجرد الظنة، أو بمجرد وجود المصحف عنده، وكان علماؤهم لا يفرقون بين القرآن وبين الغناء وبين غيره من الكلام، ولا يفقهون في دين الله عز وجل، فما إن زال هذا الستار؛ حتى ظهر الإسلام من جديد، وظهرت بوادره وبشائره، تصديقاً لموعود الله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:9] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [المائدة:54] .
هذا هو أحد المواضع التي ذكرها الله تعالى في كتابه في شأن من يرتدون عن الإسلام، وهو يتعلق بالردة عن الإسلام كله، أو مايتعلق بالردة عن شعيرة الجهاد، ولهذا قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:54] .
أما الموضع الثاني: فهو قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] وهذا -أيضاً- يشمل: الردة الكلية، فإن من ارتدوا ردة كلية يقال لهم: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] كما يشمل: الردة الجزئية، والمقصود بها في هذه الآية -والله تعالى أعلم-: التراجع عن الإنفاق في سبيل الله، وقبض اليد، والشح، والبخل، ولهذا قال: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] .