الانحراف بعد الهدى

أما الذي عرف الحق ثم أعرض عنه، أو تبعه زماناً ثم تركه، فأي شيءٍ تعتقد أن يغريه باتباع الحق من جديد، إلا أن يتداركه الله تعالى برحمته.

إن من أخطر الأشياء أن ينحرف الإنسان بعد الهدى، ويضل بعد أن كان على الصراط المستقيم، فإنه لا يكاد ينفع فيه كلام، ولا تفيد فيه موعظة؛ لأنه يعتبر نفسه خبيراً مجرباً، وكل الكلام الذي يمكن أن تقوله أنت، أو تنصحه به، أو تذكره به، كل هذا الكلام لا أقول أنه سبق أن علمه من غيرك، لا، بل ربما يكون سبق أن قاله هو لغيره، ودعا به غيره، وأمر به غيره، ونهى به غيره، وهكذا أصبح الكلام عنده غير ذي معنى وغير ذي تأثير.

مثال: إنسان كان على الهدى، ثم انحرف بسبب مواقف يعتبر أنها غير جيدة من قبل بعض أصدقائه، وبعض أصحابه، وبعض جلسائه الذين كانوا معه على الهدى، وعلى الطريق المستقيم؛ فأحدثت هذه التصرفات، وهذه المواقف منهم ردود فعل ضدهم، فأصبح يكره الأخيار والطيبين، بل ويكره الخير ويكره الداعي إليه، ولا يثق بأحد من هؤلاء؛ لأنه يقيس كل من سمع على أولئك الذين جربهم يوماً من الأيام في حياته.

مثل هذا الإنسان، لو أتيته لتحدثه عن الشباب الصالحين، أو عن العلماء العاملين، أو عن الدعاة المخلصين، أو عن الملتزمين، لظنك مخدوعاً مثلما كان هو مخدوعاً من قبل، وأن الغشاوة يجب أن تزول عنك مثلما زالت عنه، ولهذا لا يفيد فيه كلام ولا يؤثر فيه وعظ، إلا أن يشاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015