سبق أن رفع اليدين خلال الدعاء مستحب، لكن مسح الوجه باليدين هل هو مشروع؟ وكذلك تقبيل اليدين؟ أما تقبيل اليدين فكثير من الناس يمسح وجهه ثم يقبل يديه، وهذا لا شك فيه أنه غير مشروع، ولم ينقل لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف؛ لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن غيره من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين، أما مسألة مسح الوجه باليد فالكلام فيها يختلف، فقد ورد فيها أحاديث، منها حديث ابن عمر: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه} رواه الترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وكذلك قال المباركفوري: الحديث ضعيف، ومثله قال ابن الجوزي كما في العلل المتناهية، وكذلك قال أبو زرعة: حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل، وهذا الحديث حديث ابن عمر، صححه البعض وحسنه البعض، ففي بعض نسخ الترمذي أنه قال: صحيح، وكذلك ابن حجر في بلوغ المرام قال: وله شواهد منها حديث ابن عباس رضي الله عنه عند أبي داود؛ مجموعها يقتضي أنه حديث حسن، والسيوطي يقول في الحديث الأول حديث ابن عمر: رجاله رجال الصحيح غير حماد بن عيسى شيخ صالح ضعيف، ولحديثه شواهد فهو حديث حسن.
أ.
هـ وللحديث شاهد عن يزيد بن أبي سعيد الكندي عند أبي داود وفيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف، وكذلك حديث مرسل عن الزهري عند عبد الرازق، وهو مرسل ضعيف، فمراسيل الزهري كالريح -كما يقولون- وكذلك رواه الفريابي بسند حسن عن الحسن بن أبي الحسن وهو الحسن البصري:- أنه كان يمسح وجهه بيديه، وسنده عنه حسن.
إذاً الخلاصة: أن الأحاديث في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ضعيفة، بل شديدة الضعف لا يجبر بعضها بعضاً، ليس فيها حديثان ضعيفان فقط بحيث يكون مجموعهما حديث حسن، بل أمثلها حديث ضعيف وفيها ضعيف جداً، فالذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، لكن لا نقول إن هذا العمل بدعة، ولا ننكر على من فعله؛ لأنه عندنا الآن في إحدى نسخ الترمذي يقول: صحيح، وابن حجر يقول: مجموعها يقتضي أنه حديث حسن، والسيوطي يقول: حديث حسن، وهناك علماء آخرون حسنوا الحديث، وبناءً على ذلك لا يمكننا أن نرمي من مسح وجهه بيديه بأنه مبتدع، لكن نقول: الأولى بالنسبة لطالب العلم ألا يمسح وجهه بيديه.
اللهم ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأهواء، والأدواء، إنك على كل شيء قدير، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.