فقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه سلمان الفارسي: {إن الله عز وجل يستحي من عبده إذا مد إليه يديه أن يردهما صفرا} والحديث رواه الترمذي وحسنه وأبو داود وغيره وهو حديث حسن، والأحاديث الواردة في مشروعية رفع اليدين في الدعاء كثيرة جداً، حتى إن الإمام السيوطي رحمه الله صنف كتاباً سماه فَضُّ الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء تحدث فيه عن أحاديث رفع اليدين في الدعاء، قال في مطلع هذا الكتاب: (إن أحاديث رفع اليدين وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم من نحو نيف وأربعين حديثاً عن بضع وعشرين صحابياً) وقال: (إن الأحاديث في رفع اليدين مشهورة بل متواترة) ومن هذه الأحاديث الواردة في رفع اليدين في الدعاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين أراد أن يدعو لـ أبي عامر الأشعري كما سبق، ويحكى أن بعض الصالحين رفع يديه إلى السماء يدعو، فرآه رجل من أهل الذمة يهودي أو نصراني، فقال له: يا هذا إني أراك حين ترفع يديك، ترفع يدك إلى السماء وتخفض رأسك إلى الأرض! -لأن هذا مشروع في الداعي أن يرفع يديه ويخفض رأسه، ولا يجوز لمن يدعو؛ وخاصة في الصلاة: أن يرفع بصره إلى السماء- فأين مطلوبك في السماء أو في الأرض؟ فقال هذا الرجل الصالح: إنا نستمطر بأيدينا أرزاقنا، ونستدفع بالثانية شر آجالنا -يعني شر الميتة السوء- أسمعت؟ قال: نعم، قال: إن الله عز وجل يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22] فالعبد يسأل الله عز وجل رزقه، رزق الدنيا والآخرة، ويقول عز وجل: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] فنحن ندفع شر ميتتنا بذلك، فأسلم هذا الذمي.
ولذلك فإنه يشرع للإنسان أن يرفع يديه، وكذلك لا بأس إذا اشتد بالإنسان الدعاء أن يبالغ في رفع يديه إلى السماء، ولذلك قال أبو موسى: [[ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حتى رأيت بياض إبطيه]] وكذلك قال أنس كما في صحيح مسلم وغيره: [[أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا في الاستسقاء رفع يديه حتى رأى الناس بياض إبطيه]] وكذلك صح عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفا أنه قال: [[الاستغفار هكذا يعني: الإشارة بالسبابة]] قال بعض أهل العلم: لأن العبد إذا استغفر فإنه يسب نفسه، وينسب نفسه إلى التقصير، وإلى الذنب، وإلى الخطأ، فهو يستغفر الله من ذنوبه، فيرفع إصبعه السبابة، وأما الدعاء: فأن ترفع يديك حذو منكبيك، وأما الابتهال: فهو أن تمد يدك مداً، فإذا بالغ الإنسان في الدعاء فلا بأس أن يرفع يديه.