الأخذ بجوامع الدعاء

المقصود بجوامع الدعاء: الكلمات المختصرات التي تشمل معنىً كبيراً، ولذلك في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم {فُضِّل بخصائص منها: أنه أوتي جوامع الكلم} أي الكلمات المختصرة التي تشمل معنىً كبيراً، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم {كان يعجبه الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك} رواه أبو داود وأحمد والحاكم وصححه وابن أبي شيبة وهو حديث صحيح، أما التطويل والتفصيل؛ فإنه غير سائغ ولا مشروع، ففي حديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع ابناً له يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وزقومها وغسلينها وكذا وكذا، فقال له: أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الدعاء} اسأل الله عز وجل الجنة، فإذا أُعطيتها؛ أعطيتها وما فيها، واستعذ بالله عز وجل من النار، فإنك إذا أعذتها؛ أعذت منها ومما فيها.

فكون السائل -مثلاً- يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وقصورها وحورها وما فيها من النعيم، وكذا وكذا وكذا، ويبدأ يفصل في صفة الجنة، أو يقول: اللهم إني أعوذ بك من النار وما فيها من السلاسل والأغلال والجحيم ويبدأ ويعدد صفة النار أعوذ بك من النار وما فيها، فهذا كله غير مشروع؛ لأنه من الاعتداء كما سيأتي، بل ينبغي للإنسان أن يقول كما قال ذلك الأعرابي: {يا رسول الله إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، وإنما أسأل الله عز وجل الجنة وأعوذ به من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن} وكذلك عبد الله بن المغفل رضي الله عنه سمع ابناً يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى الجنة -أي أن الرجل واثق كأنه قد دخل الجنة؛ ورأى هذا القصر الأبيض عن يمين الداخل إليها- فقال له أبوه: أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إنه سيكون في هذه الأمة أقوامٌ يعتدون في الطهور والدعاء} رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وأحمد وسنده صحيح.

ولذلك علمنا الله عز وجل في القرآن الكريم أدعيةً جوامعَ مختصرة قال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] وهذه أيضا من الدعوات الجوامع؛ كذلك دعوة ذي النون عليه السلام: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] وأواخر سورة البقرة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وغير ذلك من الأدعية الجوامع، وهي كثيرة في القرآن الكريم.

أما في السنة النبوية فعن قطبة بن مالك رضي الله عنه قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأهواء والأعمال والأدواء} رواه الترمذي وحسنه، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بقوله كما عند الترمذي وأحمد: {اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك، وحب من أحبك، وحب العمل الذي يقربني إلى حبك} أيُّ دعوة أجمع وأوسع وأخصر وأبلغ من هذه الدعوة النبوية الكريمة، فلا بد من مراعاة الاختصار في الدعاء والاقتصار على الجوامع من الدعاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015