الاعتقاد أن الصمت أولى من الكلام

السبب الثالث من أسباب الصمت: أن يصمت الإنسان لاعتقاده أن مصلحة الصمت أولى من مصلحة الكلام، وهذا يقع في حالات، منها: الحالة الأولى: أن الإنسان أحياناً يعتقد أنه يوجد من هو أجدر وأقوى منه في الكلام، فهناك مجلس من المجالس، يستدعي الكلام، لكن قد كفيت أنت بغيرك ممن هو أقدر وأجدر وأبصر منك في الحديث، فتكل الأمر إليه وتعتبر أنه يقوم بالمهمة عنك، شريطة ألا يكون في ذلك مدعاة إلى التواكل، وكل إنسان يلقي بالمسئولية على غيره، فهنا قد تعتقد أو قد ترى أن الصمت أولى بك من الكلام.

الحالة الثانية: التي يكون الصمت فيها أولى من الكلام: أن يعتقد الإنسان أنه لا جدوى من الكلام، وأن هناك ضرر، مثلما إذا كان إنسان فيه طغيان وعدوان، وإسراع إلى الدماء وإلى الضرب والجلد والاعتداء، أو إنسان فيه سلاطة لسان، وربما لو خاطبته، لزاد من شره، فترى أن الصمت أجود، لأن الكلام لا جدوى من ورائه، ولذلك الله عز وجل يقول في القرآن: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] .

فلو علمت أن تذكيرك وكلامك وأمرك ونهيك سيكون سبباً في زيادة الشر واستفحاله، فلا شك أنه حينئذٍ لا يجوز أن تتكلم، ولا أن تأمر، ولا أن تنهى، لأن الضرر يُدْفَعْ، والمقصود من الأمر والنهي تحصيل المصلحة، فإذا كانت سوف تزداد المفسدة وتقل المصلحة في الأمر والنهي تسكت حينئذٍ، وتبقى على المصلحة القليلة الباقية، والمفسدة القليلة الموجودة، لا تزيدها فتزداد النار اشتعالاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015