أمرٌ ثالث: السفر للعمرة، وما أدراك ما السفر للعمرة! يقول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض نساء الأنصار: {إذا كان في رمضان فاعتمري، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة} وفي رواية في البخاري: {فإن عمرة في رمضان تعدل حجةً معي} ولكن -ويا مرارةً بَعْدَ "لكن"- كم نجد من السلبيات في هذا السفر! فمن الشباب من يسافرون ويستأجرون بيوتاً هناك تكون مكاناً لاتفاق على مغامراتٍ تبدأ ولا تنتهي! جولات في الشوارع، وإيذاءٍ للناس، ومعاكسات، ومغازلات! ومضايقة للمؤمنين القائمين، والعاكفين، والركع السجود، والمعتمرين الذين جاءوا يبحثون عن الفضيلة والأجر! فهل يجوز هذا؟! هل هذا حق وفد الله عز وجل علينا؟ كلا ثم كلا!! ومن الشباب من يرتكبون ما حرم الله تعالى في أطهر بقعة!! ففي المسجد الحرام تجد المضايقات، وتجد الغمز واللمز، وتجدُ الاقتراب من النساء، وتجد إيذاء المؤمنات ومضايقتهن في أنفسهن!! وهذا -أيضاً- مما يسخط الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] .
فاحذر -يا أخي الحبيب- أن تكون ممن أراد بهذا المسجد الحرام إلحاداً فأذاقه الله تعالى من عذابٍ أليم، في نفسك، أو في أهلك، أو في مالك، أو في ولدك بعض الآباء والأمهات يسافرون للعمرة، ويتركون أولادهم هنا، دون أن يكون عليهم قيّم، ولا رقيب، ولا حسيب، فيبقى الأولاد في البيت لوحدهم، لسببٍ أو لآخر، وهنا قد يأتيهم قرناء السوء، وقد يتسلل إليهم الشيطان، أو أعوانه من شياطين الإنس، فيزينون لهم الباطل، ويدعونهم إلى الفساد والرذيلة، وفي غيبة الأبوين قد يحدث مالا تحمد عقباه.
أفيسوغ لك -يا أخي الكريم-: أن تذهب إلى نافلة، وتترك فريضة؟ أو يذهب الآباء بأولادهم -ذكوراً وإناثاً- إلى مكة، ويكون الأب عابداً زاهداً قائماً مصلياً راكعاً ساجداً في المسجد الحرام، حتى إن منهم من يجلس في المسجد حتى تطلع الشمس، وربما يكون أولاده وبناته يتسكعون في الشوارع ويتعرضون للمارة!! وربما قبض على بعض الأولاد من قبل الأجهزة المختصة، وأبوهم جالسٌ في المسجد الحرام يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس!! وكم رأينا ممن يتجولن في الشوارع لغير غرض إلا للنظر إلى الغادين والرائحين!! وربما تجدُ رسالة صدرت من بعض الفتيات أو تجد تعرضاً لبعض الشباب!! وإن كانت حالات قليلة؛ لكن مع ذلك ربما يحدث هذا من عائلاتٍ عريقةٍ محترمة، والشيطان لا يستحي من أحد، ولا يُقَدِّرُ أحداً، ولا يُوَقِّرُ أحداً، ولا يمكن أن يقول: هذه بنت فلان، أو من أسرةٍ فلانية، أو من بلدٍ فلاني.
الشيطان يحرص على الجميع؛ لأنه حريص كل الحرص على أن يكونوا رفقاء له في النار -والعياذ بالله! فهو لا يمكن أن يتورع عن أحد، أو يحترم أحداً، أو يوقر أحداً، أو يستحي من أحد، فليس صحيحاً أن يهتم الأبوان بالطواف حول الكعبة، أو بالصلاة قياماً أو تراويحاً، أو بالجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس -وإن كانت هذه كلها أعمالٌ فاضلة لا شك في فضلها- ويتركوا رعاية أولادهم وبناتهم، ومراقبتهم والقيام على شئونهم، وأداء الحقوق الواجبة لهم هذا لا يسوغ ولا يجوزُ بحالٍ من الأحوال.