ضرورة عناية الآباء بتربية أبنائهم

أيها الأحبة: دون شك نحن نعتني بأولادنا في طعامهم وشرابهم وكسائهم وراحتهم، فالولد نحرص على أن نكسوه أجمل الثياب، ونطعمه أحسن الطعام، ونسقيه ألذ الشراب، وإن احتاج إلى سيارةٍ قدمناها له، ولو كان فيها عطبه وضلاله وضياعه وارتباطه بقرناء السوء، وإن احتاج إلى الطبيب سارعنا إليه ولو في ساعةٍ متأخرة من الليل، ونحن لا نلامُ في ذلك إذا كان في حدود الاعتدال والمصلحة للولد في دنياه وآخرته، اللهم إلا السيارة فلا؛ إلا أن يكون أهلاً لها ممن عقل وشب عن الطوق، وتجاوز فترة المراهقة، أما ما سوى ذلك مما يحتاجه الابن من والده، فهو حق لابد منه.

لكن أرأيت كيف نهمل الجوانب التربوية لأولادنا؟ وكيف نقصر في إعدادهم الإعداد الصحيح؟ ورعايتهم الرعاية الشرعية وبنائهم!! هل من ميزة الابن والولد وكماله بأن يكون يمتلك سيارة، أو ثياباً جميلة، أو غترةً مكوية، أو أن يكون صحيح الجسم، مكتمل القوة، شديد البنية؟! أبداً! مهما كانت قوة الولد فلن يكون أقوى من الفيل! ومهما كان جماله، فلن يكون أجمل من الطاوس! فليست قوة الإنسان ولا جماله بالذي يمدح به، وربما يكون في الحيوان من هذه الأمور ما يفوق الإنسان! إنما كرامة الإنسان بما وهبه الله تعالى وميزه به من الإنسانية، وتخصيصه بالدين الذي يتميز به الإنسان، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] .

أية قيمة للإنسان الآكل، الطاعم، الشارب، المكتسي، المتمتع، إذا كان يتقلب على مثل حسك السعدان من الهم والغم والانزعاج؟! وأية قيمة للولد الطويل العريض إذا كان ضحية المخدرات؟! وأي نفعٍ بابنك الغني المترف إذا كان يشقيك صباحَ مساءَ؟! إن قيمة الإنسان هي في عقله وقلبه، وروحه ولبه، ودينه وورعه وتقواه! ألم تسمع ما قال الله تعالى في ذلك الذي يستغيث منه والداه: {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأحقاف:17] عجزوا عنه، فآخر شيء بالتهديد: ويلك.

أيها الإخوة: يذكر عددٌ من المصنفين في العقوق والبر قصة ذلك الرجل الذي كان يطوف بالكعبة، ويشتكي ولده على رب العالمين، ولدٌ رباه، وتعب في تربيته، وسهر عليه الليل، وتعب النهار، وجاء له بالرزق من كل مكان، لكن مع ذلك في النهاية كانت العاقبة هي العقوق، فكان يقول واسم ولده "منازل": جزت رحمٌ بيني وبين منازل جزاءً كما يستنزل الدين طالبهُ وربيته حتى إذا ما تركته أخا القومِ واستغنى عن المسح شاربهُ تغمط حقي ظالماً ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبهُ أإن رعشت كفا أبيك، وأصبحت يداك يدى ليثٍ فإنك ضاربه أصبح شيخاً هرماً ترتعش يداه من الكبر، فيجره ولده بقوة، ولا يرقب فيه إلاً ولا ذمة! فيقول: إلى هذا الحد تعتدي على والدك؟! ولهذا فإن من العقل كل العقل، والحكمة كل الحكمة، أن تكون عناية الأبوين بتربية الأولاد ورعايتهما الرعاية الشرعية الدينية أعظم بمراحل من رعايتهم رعايةً جسمية -صحيةً أو بدنيةً- أو إعطائهم ما يحتاجون إليه من الأكل والشرب والثياب وغيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015