أيها الأحبة: لقد غرس الله تعالى في قلوب الآباء الرحمة بالأبناء، حتى إن الولد ريحانة لأبيه، وقد جاء في الحديث {أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يوماً يوم من الأيام يخطب على المنبر، فجاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران، فنزل -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- وحملهما على كتفيه، وقال: والله إنكم لتبخلون وتجبنون، وإنكم لمن ريحانة الله} والحديث رواه أحمد وغيره، وفي سنده مقال.
ولما جاء صلى الله عليه وسلم إلى ولده إبراهيم، حمله وشمه وقبَّله -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم- ولما رآه يجود بنفسه بكى، ودمعت عيناه، وقال: {هذه رحمة وضعها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء} .
مات لـ ابن الرومي ولد، كان اسمه محمداً، فرثاه بقصيدةٍ من عيون الشعر، لا زال التاريخ يرددها، يقول مخاطباً عينيه: بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي محمدٌ! ما شيء تُوُهِّم سلوه لقلبي إلا زاد قلبي من الوجدِ أرى أخويك الباقيين كليهما يكونان للأحزان أورى من الزندِ وأولادنا مثل الجوارح أيها فقد ناه كان الفاجع البين الفقدِ لكلٍ مكانٌ لا يسد اختلاله مكان أخيه من صبور ولا جلد يقول: الأولاد ولو كانوا مائة مثل الجوارح، لا تغني اليد عن الأخرى، اليمنى عن اليسرى، ولا يدٌ عن رجل، ولا رجل عن يد، ولا عينٌ عن أذن، لا يغني سمعٌ عن بصر، ولا بصر عن سمع، فالجوارح لا يغني بعضها عن بعض، وكذلك الأولاد، مهما كثروا، لكل واحد منهم مكانٌ في القلب، لا يسد فقده مكان أخيه.
وآخر جلس في بيته وقد ضاقت عليه أبواب الرزق وحجبت دونه، فكان يتمنى أن يذهب في أرض الله الواسعة، ويكتسب من الرزق ما يكتسبُ غيره، ولكن يمنعه من ذلك أولاده الصغار من بنين وبنات، الذين يحدب عليهم ويحن إليهم، فلا يستطيع فراقهم، فيقول: وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرضِ لو هَبَّتِ الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمضِ لولا بنياتٌ كزغب القطا ردَّدن من بعضٍ إلى بعضِ لكان لي مضطربٌ واسعٌ في الأرض ذات الطول والعرضِ فالأولاد نعمةٌ وأية نعمة، ومن رزق نعمة أن يشم أولاده الصغار ويضمهم، ويضعهم في حجره ويحن عليهم، ويضاحكهم ويلاعبهم؛ فإنه يجد في هذه الدنيا نعمةً تمهد لنعمة الدار الآخرة التي وعد الله تعالى بها المؤمنين، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] .
فإذا كان الأب في منزلة في الجنة، وولده دونه، فإن الله تعالى بسابغ كرمه وجوده يلحق الأبناء بالآباء تكريماً للآباء وتتميماً لنعيمهم وسرورهم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] .