كذلك هناك موضوع: كثرة الطلاق؛ وهي مشكلة، ولا شك أن نسبة الطلاق في مجتمعاتنا قليلة بالقياس إلى المجتمعات الأخرى، لكنها أصبحت ترتفع الآن، وفي نظري أن أهم أسباب كثرة الطلاق ما يلي: أولاً: التعجل بالاختيار؛ فيفاجأ الرجل أو تفاجأ المرأة بأن الموافقة على الزواج كانت غير مناسبة، والحل هو ألا يتعجل الإنسان في القبول إلا بعد السؤال والاستشارة والاستخارة والنظر.
ثانياً: عدم التوافق بين الزوجين؛ وهذا أمر طبيعي جبلي لابد أن يقع، فقد ينظر الإنسان ويسأل ويتحرى؛ لكن بعد ذلك إذا وجد المرأة واقترب منها واقتربت منه لم يكتب الله تعالى المحبة والوداد والوئام بينهما فتكون النهاية هي الطلاق.
ثالثاً: المعصية من الرجل أو المرأة؛ فإن المعصية سبب لوحشة القلب والنفور، فإن كان الرجل صالحاً، والمرأة ليست كذلك استوحش منها لما عندها من المعصية، والعكس بالعكس.
رابعاً: التكاليف الباهظة التي يدفعها الزوج؛ كما ورد في سنن أبي داود وغيره عن عمر حين قال: [[لا تغالوا في صُدق النساء]] وقال: [[إن الرجل يقول لزوجته حتى كلفت لك علق القربة]] يعني أنني كلفت لك كل شيء، واشتريت لك كل شيء، فالمبالغة في تكاليف الزواج والإكثار منها تكون -أحياناً- سبباً في وقوع الطلاق.
وعكس ذلك -أيضاً-: كون الزواج يحصل للشاب دون أي تكلفة قد يكون سبباً أحياناً، فإذا كان الشاب -خاصة صغير السن- ودفع له جميع التكاليف فإن هذا أحياناً قد يقول بعضهم: إنه هو أيضاً سبب للطلاق.
أقول: قد يحدث هذا وإن كان قليلاً، ودائماً العدل هو الوسط، فإن الإنسان الذي بذل مبلغاً معتدلاً وتعب في أمر الزواج تعباً معتدلاً، يهتم بالمرأة لأنه يدرك أنه تعب في تحصيلها، ولا يفرط أو يتهاون فيها، أو يقول: يمكن أن أجد غيرها بكل سهولة، أو يعيبها وينتظر منها كل شيء، فإذا قصرت في أمر قال لها: كيف تقصرين وقد دفعت لك مبلغ كذا؟ كيف تقصرين وقد تحملت الديون من أجلك؟ إلى غير ذلك، فالوسط دائماً هو العدل الذي يحبه الله تعالى.
خامساً: تطلُّع كل من الزوجين إلى غير صاحبه؛ ومن أسباب ذلك المعصية -كما أسلفت- فالرجل الذي ينظر إلى وجوه النساء سواءً في الأسواق والشوارع، أم في المجلات والكتب، أم في الشاشة عبر المسلسلات والأفلام وغيرها، لا شك أنه سيجد من هي أجمل من زوجته؛ فتهون في عينه، ويطمح بصره إلى غيرها، وهذه عقوبة عاجلة على معصيته التي ارتكبها، وإلا فهو قد يعزف عن زوجته ولا يجد مثلها.
وأذكر أنني قرأت في أحد الكتب قصة يذكرها رجل عن نفسه يقول: إنه كانت عنده امرأة صالحة، يحبها وتحبه، وبيتهم من أحسن ما يكون، ولهم أطفال يعيشون في سعادة وراحة، فبلي هذا الرجل بقرناء السوء، وصاروا يحثونه على مشاهدة الأفلام الهابطة المحرمة، فصار يشاهد في الفيلم الممثلة ذاهبة وآيبة ومقبلة ومدبرة، وقد تجملت على أنهم يختارون النساء الجميلات عادةً؛ فعزف عن زوجته وصار يتابع هذه الأشياء، وطلقها في الأخير، وبعدما تهدم البيت بعد سنتين أفاق هذا الشاب فوجد أنه لم يكسب شيئاً، خسر زوجته وفي الوقت نفسه لم يجد غيرها، هذه الجميلة التي كانت هي السبب في طلاقه لزوجته لم يحصل عليها لا في اليقظة ولا في المنام، فأفاق من غيبوبته وغفلته، وتاب إلى الله تبارك وتعالى، وأعاد زوجته إلى عصمته، وأحبها أشد من الحب الأول، وكتب تلك القصة يقول: أريد أن يعتبر بها غيري ممن يمكن أن يقعوا في الخطأ الذي وقعت فيه.
كذلك المرأة قد تنظر إلى غير زوجها فتطمح عن زوجها وتعرض عنه، ولا ترى فيه ما يعجبها.
سادساً: تدَّخل أهل الزوجين؛ أحياناً أهل الزوجة يتدخلون، خاصة الأم قد تتدخل في خصائص بنتها، وتسألها عن الدقائق والجلائل من الأمور، وتعطيها التوجيهات الصائبة والخاطئة: اعملي معه كذا، وقولي له كذا، وافعلي واتركي حتى تنغص حياة الزوجة مع زوجها.
وأحياناً أم الزوج -أيضاً- تفعل مثل ذلك خاصة إذا كان الولد في بيت أهله، فإن الأم أحياناً تحس بأن هذه الزوجة قد خطفت ابنها منها، وأن الابن لم يعد يهتم بها، وتعبر عنها بأنها بنت الناس، فتجد أن الأم كثيراً ما تعاتب الابن وتلومه وتذمه، ثم يتحول ذلك إلى بغض للزوجة وعداء لها، وقد تظلمها والعياذ بالله وقد تسيء إليها، وقد تضغط على الابن ليطلقها! مع أنه لم يقع من المرأة سوء ولا معصية ولا إثم ولا تقصير فقط؛ لأن الزوج يحبها، والأم شعرت بأنه يحبها؛ فلا تريد أحداً أن ينافسها على قلب ابنها.
سابعاً: طبيعة الزوجين؛ فقد يكون الزوج عصبياً لا يتحمل أو الزوجة كذلك، أو حساساً ينفعل لأدنى شيء فتكون هناك أحداث، والحياة لابد لها من مشكلات، والذي يتصور أنه سيبني حياة سعيدة (100%) سالمة من المشاكل، فهو يتصور أوهاماً وخيالات محضة لا توجد في الدنيا، إنما توجد في الجنة، هذا ينتظر الحور العين إن كان من الصالحين، وأما في الدنيا فلا يجد ذلك.
وتعجبني كلمة قالها لي أحد الشباب يقول: كان والدي يقول لي: كل رجل له زوجتان، إحداهما: زوجته الحقيقية التي في بيته، والثانية: في ذهنه يتخيلها ويتوهمها، فهو يتصور زوجة صفاتها من ناحية الجمال والجسم والأخلاق والدين والفضائل على الكمال والتمام؛ لكن هذا لا يتسنى في الواقع، وكذلك النساء.
فعلى الإنسان أن يتواضع ويعرف أن هذه الحياة الدنيا لا يمكن أن تخلو من تنغيص وتكدير ومشاكل وأخطاء تحتاج إلى تحمل.
وكما أنك تخطئ فتحتاج إلى أن تتحمل منك زوجتك، ويتحمل منك غيرك من الناس، كذلك غيرك يخطئ فيحتاج إلى أن تتحمل منه أنت، وما لم يوجد تحمل وتساعد وتفاهم بين الزوجين؛ فلا استقرار ولا دوام للحياة الزوجية.
ثامناً: أحياناً من أسباب الطلاق: المخادعة؛ فقد تبلى المرأة برجل يتعرف عليها عن طريق الهاتف، أو صاحب دكان نصب لها شراكاً وحبالاً يريد أن يخدعها، فلا يزال يعدها بالوعود الكاذبة، ويغرر بها ويخادعها حتى يحاول أن يبعدها عن زوجها، ويقنعها بالتخلي عنه، وقد يبلى الرجل بامرأة تتصل به وتغريه وتخادعه حتى تزهده في زوجته، ثم لا يجد هذا ولا ذاك في الواقع.
الخاتمة: هذه المنكرات والملاحظات التي تحدثت عنها تحتاج إلى تظافر الجهود في القضاء عليها، ومجرد الحديث عن المنكرات لا يكفي، فربما يعرف الكثير أنها منكرات؛ لكن نحتاج أولاً: أن يلتزم كل واحد منا لنفسه في الزواج الذي يتعلق به -إن كان شاباً أو أباً- أن يلتزم بتجنب ما حرم الله سبحانه وتعالى، ويقيم زواجاً إسلامياً بعيداً عن المعاصي والمنكرات، ولو نجحنا في هذا لكنا نحن عدداً كبيراً بالنسبة للمجتمع وقدوة حسنة لغيرنا، فضلاً عمن قد ينتشر الأمر إليهم بطرق ووسائل أخرى فيستطيعون أن يفعلوا ذلك.
إذاً: ليست المشكلة دائماً في جهل الناس، بل المشكلة في العزيمة والإرادة التي تحتاج إلى تقوية، فالإيمان هو الذي ضعف فأصبح لا يدفع الناس إلى ترك المحرمات، ولا إلى فعل الطاعات إلا قليل.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.