وقل مثل ذلك في عادة غلاء المهور، وهي بلية من البلايا التي وقعت في مجتمعاتنا اليوم، فأصبحت تثقل كاهل الزوج بمبالغ طائلة، فربما نقول: إن مجموعة التكاليف العادية -دعك من الأسر المترفة الغنية- أحياناً نسمع أن هناك إنساناً تزوج بأكثر من ثلاثمائة ألف ريال، وطبعاً المقصود من وراء ذلك أن يكتب عنه، وأن يتكلم الناس عنه، ويذكروه بذلك، فبعض الناس مثل الشيطان يحب أن يذكر ولو باللعنة، المهم أن يذكر، فيهمه أن يقول الناس عنه: ابن فلان تزوج بأكثر من ثلاثمائة ألف ريال، وابن فلان استأجر الفندق الفلاني ليلة واحدة بمائة ألف ريال، وهكذا من الأشياء التي يذم الله تبارك وتعالى عليها، ويعاقب عليها في الدنيا وفي الآخرة، ولا يحمدها أولو العقول والنُهى من الناس.
أيضاً دعك من هؤلاء، لكن عامة الناس ربما يكلفه الزواج مائة ألف ريال أو قريباً من ذلك يزيد أو ينقص، وهذا المبلغ ليس بالسهل توفيره، فلماذا نفترض مثل هذا المبلغ الخيالي الوهمي؟ هذا ليس محمدة في الدنيا، ولا عبادة يؤجر عليها الإنسان في الآخرة، بل هو من أهم أسباب تعاسة الحياة الزوجية، ومن أهم أسباب الفجور والفساد العريض في المجتمع، ويجب على أولياء الأمور أن يراعوا الاعتدال في هذا الأمر.
ويعجبني أن بعض الناس حاول أن يضرب بنفسه مثلاً أعلى في ذلك، فلقد حدثني بعض الشيوخ أن رجلاً جاء إليه ليعقد على بنته فلما سأل الشيخ كم المهر؟ فقال له أبو البنت: إن المهر ريال واحد فقط، فهذا العاقد ظن أن القضية مجرد تسمية مهر كما هي عادة بعض الناس أن لا يذكروا المهر الحقيقي في العقد إنما يذكرون أي مبلغ، وهم لا يريدون أن يطلع أحد على حقيقة المهر، فإذا كنت -مثلاً- زوجت ابنتي بستين ألف ريال لا أريد أن أقول للعاقد: إن المهر ستين ألف ريال، ولا أريد أن يطلع على هذا الأمر فأقول له: عشر ريالات.
ظن الشيخ أن الأمر كذلك فقال: إن الكذب لا يجوز، ولابد أن تخبروني بالمهر الحقيقي، فقال الأب: فعلاً إن المهر الحقيقي هو ريال واحد فقط للسنة، وإلا فإني سأقوم بتجهيز ابنتي بكل ما تحتاجه، ولم أطلب من هذا الشاب أي مبلغ، فهذا مثلٌ جيد.
وأحياناً تذكر بعض الصحف والجرائد أخباراً من هذا القبيل سارة، وينبغي نشرها بين الناس حتى تكون مثلاً أعلى وتكون قدوة حسنة، كما أنه ينبغي على كبار الناس في المجتمع والوجهاء والأعيان الذين ينظر إليهم أن يبدأوا بأنفسهم، فإننا نجزم ونقطع بأن حادثة واحدة خير من ألف محاضرة وألف خطبة في هذا المجال وفي غيره، فإذا تحدث المجتمع أن الوجيه الفلاني، أو أن العالم الفلاني، أو الرجل الفلاني المشهور المرموق الذي يشار إليه بالبنان زوج بنته على ثمن بخس وجهزها بما تحتاج، أو حتى أخذ مبلغاً معقولاً ومعتدلاً فإن هذا يؤثر في الناس ما لا تؤثره كثير من الكتب والنشرات والأقوال والمحاضرات وغيرها.
فموضوع غلاء المهور من الأمور التي تؤثر فيها العادات الاجتماعية، وبناءً على ذلك فإني أقول: إن تأخير الزواج يشترك فيه الأبوان والبنت والولد والمجتمع.