وهذا التغيير الذي تشهده، له أسباب لعل أولها: التطبيع ومحاولة تحسين العلاقات مع من يسمونهم بأبناء العم من اليهود، فلابد أن يحذف من المناهج كل ما يسيء إليهم أو يزعجهم أو يعتبر نوعاً من التحريض عليهم واستمرار العداوة وتربية النشء على بغضهم وكراهيتهم، وهناك كتب كثيرة تتكلم عن المناهج في مصر وكيف غيرت بعد التطبيع؛ وهي مطبوعة وموجودة في بعض المكتبات وتباع، وفيها مقارنة دقيقة بين الكتب التي تدرس قبل التطبيع وقبل السلام، والكتب التي أصبحت تدرس بعد ذلك.
والسبب الثاني في تغيير المناهج هو: المد الأصولي، فإن كثيرين يرون أن هذا المد الأصولي -ويقصدون به الاتجاه إلى الخير، وكثرة الأخيار، والمترددين على المساجد، وأصحاب اللحى، وقراء القرآن- أن هذا يرجع إلى مناهج التعليم التي تغذي فيهم العاطفة الدينية؛ لهذا يتجه كثيرون في العالم العربي من القائمين على التعليم إلى محاولة تقليص النزعة -كما يسمونها- الدينية، التي تؤثر في نفوس الشباب.
وهناك سبب ثالث وهو: أن الكثيرين أصبحوا يشعرون بضرورة التفاهم أكثر مع الحضارة الغربية؛ خاصة في ظل ما يسمى بالنظام الدولي الجديد، فلابد أن يكون هناك نوع من الانصهار -عندهم- في المعطيات التي جاءت بها الحضارة الغربية.
ونحن من جانبنا نعلم أن المسلم ليس لديه أي مانع أن يستفيد من كل الكشوف العلمية، وكل المعطيات الإيجابية الموجودة عند أية أمة من الأمم، فإن ديننا لا يقف -أبداً- ضد العلم الصحيح والخبرة وضد الصناعة، بل ديننا يدعو إلى ذلك، وكان من المفروض أن المسلمين هم زعماء العالم، حتى في العلم النظري التجريبي الذي يحتاجه الناس في دنياهم، ولكننا -أيضا- نعلم أن كثيراً مما جاءت به الحضارة الغربية شرٌ يجب الحذر منه، خاصة في مجال العلوم الإنسانية، كعلم النفس والتربية والاجتماع والنظريات التي تدرس في هذا المجال؛ فضلاً عن الجهود التي تسعى إلى تغيير الأخلاق، وإتاحة المجال للحريات ليفعل كل إنسان ما يشاء؛ إذ أن الغرب لا يؤمن أصلاً أن هناك ديناً يجب أن يخضع له الناس؛ بل يؤمن بأن الدين هو الحرية الشخصية، وأن الإنسان يفعل ما يشاء، أما نحن المسلمين فلنا دين يقول ربنا عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] .
فديننا يحكمنا في الدقيق والجليل من أمورنا، ويرسم لنا ما يجب أن نفعله حتى في أخص خصائص حياتنا، فهو يتحكم في أموالنا وفي طريقة الزواج عندنا، وفي التجارة والفن، والإعلام، وفي كل شيء، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] {وَنزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بين لنا علماً في كل ما نحتاجه، وما ترك شيئاً إلا بيِّنه لنا، ولا خيراً إلا أمرنا به ولا شراً إلا حذرنا منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: {ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان حقاً عليه أن يأمر أمته بخير ما يعلمه لهم، وينهاها عن شر ما يعلمه لهم} وهكذا كان صلى الله عليه وسلم.
إذاً هناك سبب ثالث في تغيير مناهج التعليم، وهو: أن هناك من ينادون بضرورة انصهار المجتمع الإسلامي في النظام الدولي الجديد، وأن يكون هناك قاسم مشترك -مثلاً- بين المناهج التي تدرس في أي بلد إسلامي، والمناهج التي تدرس -مثلاً- في اليابان، أو فرنسا، أو بريطانيا، أو أمريكا، أو غيرها.
وهناك سبب رابع أذكره من باب الموضوعية واستكمال البحث، وهو: أن هناك أسباباً منطقية للتغيير، فنحن نقول: ينبغي التصحيح والتحسين دائماً وأبداً، فالنظر في المناهج التعليمية ينبغي أن يكون هماً، لكن على أساس أن تكون أكثر ملاءمةً للهدف التربوي، وأن تكون أكثر انطباقاً مع المقصد الشرعي، وأن تكون أكثر التزاماً بالأهداف العامة التي يقوم المجتمع هنا وهناك على أساسها.