أين صحافتنا؟!

في ظل هذه المشاكل الصعبة مثل قضايا أفغانستان وقضايا مسلمي البوسنة والهرسك وقضايا السلام في فلسطين وغيرها, يثور

Q أين صحافتنا؟!! صحافتنا بين أمرين: إما أن تغفل عن هذه القضايا ولا تتحدث عنها أصلاً, وهذا خير نعتبره نسبياً, وإما أن تتكلم عن هذه القضايا، فنقول: تمنينا أنها سكتت؛ لأنها تتحدث من منطلق غربي، أو تردد ما تذيعه وكالات رويتر أو غيرها من الوكالات اليهودية, وقد تقف في صف خصوم الإسلام، لذلك أقول لكم أيها الإخوة: ولذلك فلا يمكن بناء تصورات صحيحة من هذا الإعلام -ولا أتحدث عن الإعلام السعودي، وإنما أتحدث عن الإعلام العربي كله- إنه إعلام فاسق أصلاً، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] فإياك أن تبني تصوراتك عن الأحداث من واقع هذا الإعلام.

وجدتُ كثيرين حتى من أصحاب الفكر والعلم يبنون تصوراتهم -مثلاً- عن قادات المجاهدين الأفغان من خلال ما يكتب بالصحف، فمثلاً صحيفة عربية خضراء تكتب عن مجددي أنه صوت العقل في أفغانستان، ثم تكتب عن حكمتيار أنه القائد الأصولي المتطرف -مثلاً- فيترتب على ذلك أن القارئ يعتقد أن مجددي هو صوت العقل، وهو الذي يجب أن يكون حاكماً، أما حكمتيار فهو قائد أصولي متطرف، لو كان له من الأمر شيء لجر أفغانستان إلى حمامات دم، فهذه نظرة الغرب يفرزها إلى بعض حلفائه في الشرق، فتبرز في صورة عناوين أو كما قيل (مانشيتات) أو تقارير وكتابات وغير ذلك، ولا يجوز للمسلم الواعي فضلاً عن طالب العلم أو العالم أو المثقف أن يأخذ معلوماته أو تصوراته عن أوضاع المسلمين من خلال هذه الصحف.

ولقد عرفنا كيف عالجت صحفنا -مثلاً- قضية الجزائر، وكتبت عما تسميه الملف الثلاثي الأسود، وكيف عالجت قضية السودان، وكيف عالجت قضية السلام مع إسرائيل، وأخيراً عرفنا ونعرف الآن كيف تعالج صحفنا العربية والإسلامية والمحلية قضية أفغانستان.

فمثلاً: في هوامش صحفية في جريدة الجزيرة كتب أحدهم يتكلم عن الذين جاهدوا مع الأفغان من العرب؛ وكثير منهم من السعوديين -أيضاً- فتجد أنه يتكلم عنهم كلاماً في غاية السوء، ويصفهم بأنهم من الخوارج، وأنهم تحولوا إلى مدمني مخدرات، وأنهم مجرمون، وأنهم يخلخلون الأمن في بلادهم، وأنهم يكفرون الناس، وأنهم أصحاب نفوس سوداوية وقلوب مريضة، وأنهم وأنهم، وجعل قائمة طويلة -عموداً طويلاً كله- في هجاء هؤلاء الشباب المجاهدين وذمهم وسبهم وشتمهم، ولا أستغرب أن يحمل شخص من أبناء جلدتنا مثل هذه الأفكار، لكن أستغرب أن يتمكن من أن يفرغها على صفحات جريدة تصدر في مثل هذا البلد الكريم، وأن يقرأها الناس وتمر بسلام.

وبعض الصحف هنا وهناك من الصحف العربية والمهاجرة تمدح من يدفع أكثر، وليس غريباً أن إحداها كانت تتكلم عن النظام العراقي البعثي وعن صدام حسين، وتتغزل به وتمدحه وتثني عليه، فلما اشتريت من قبل طرف آخر قلبت الأمر بزاوية مائة وثمانين درجة وأصبحت تتهجم عليه، وهذا محمود على كل حال، لكنها أصبحت تدافع عن أنظمة أخرى كثيرة، وتتكلم بصورة يعرف أي إنسان أنها لا تحمل أمانة الكلمة مطلقاً.

وكثير من هذه الصحف هي في الواقع تتكلم بلسان الدول التي تمولها، أو -أحياناً- بلسان بعض الأجهزة الخفية التي تقبع وراءها، وقد أعجبني مقال نشر في جريدة المدينة للأستاذ محمد صلاح الدين، تكلم فيه عن جريدة الشرق الأوسط وهي من أوسع الجرائد انتشاراً، يطبع منها مئات الألوف، وتطبع في مواقع عديدة، وتنشر على نطاق واسع، ويتعامل معها كثير من الناس؛ بل كثير من الدوائر الرسمية، والمقال طويل لكن أقرأ المهم منه، يقول -بعد ما تكلم عن قضية الأصولية وتعريفها وغير ذلك-: "لا جرم أن يشعر المرء باستياء بالغ واستغراب شديد وهو يرى جريدة الشرق الأوسط الغراء؛ وقد تبنت كلمة استخدام مصطلح الأصولية لتصف به كل الجماعات والحركات الإسلامية المطالبة بتطبيق الشريعة وأسلمة المجتمع دون تفريق، وكأنه وصمة عار، إن اعتماد جريدة الشرق الأوسط لمصطلح غربي كالأصولية في أخبارها ومقالاتها وتحليلاتها هو فضيحة إعلامية بكل المقاييس؛ لأنه إذا كان المقصود بالمصطلح هو الإهانة والتحقير أو الترهيب والتخويف؛ وإذا كان استخدامه كمرادف ورمز للتأخر والانغلاق والتزمت؛ فإن أول ما ينصرف ذلك إلى المملكة، لأنها تمثل الأصولية.

ثم قال: هل تشارك إدارة تحرير جريدة الشرق الأوسط -إذاً- محرريها وكتابها ومراسليها العلمانيين؛ اعتبار الأصولية -أي التطبيق الدقيق لأوامر الشرع وأحكامه الإجماعية- انغلاقاً وتزمتاً وتهديداً للاستقرار الاجتماعي! وتمزيقاً للوحدة الوطنية! ورجوعاً إلى القرون الوسطى؟! لا أريد أن أقول ذلك، ولكن من الواضح أن المسئولين عن تحرير جريدة الشرق الأوسط قد وقعوا على أقل تقدير فريسة للخلط بين الخصومة السياسية وبين المبادئ الإسلامية، بين الحملات الإعلامية والالتزام المهني والأمانة الصحفية، إننا لا نختلف على الإطلاق مع ما تدعو إليه كل الحركات والجماعات الإسلامية من ضرورة تطبيق الشرع والالتزام بأحكام الدين، وأن يحكم ذلك جميع جوانب الحياة من سياسة وحكم واقتصاد واجتماع، لكننا قد نختلف مع بعضهم في الوسائل، ونفترق وإياهم حول الأسلوب، ونستنكر منهم بعض المواقف؛ غير أن ذلك لا ينبغي بأية حال أن يمتد إلى الغاية المشتركة، أو يمس الأهداف التي ليست موضع خلاف، أو يحملنا على نعتهم بأوصاف تطعن في الملة أو تسميتهم بمصطلحات غربية، قصد بها أصحابها تحقير الالتزام بالدين.

ثم يقول: وليس من شك أن قارئ جريدة الشرق الأوسط يشعر كأن الجريدة مجندة لشن حرب إعلامية بالغة القسوة ضد هذه الجماعات والحركات الإسلامية، فتتلمس لها العيوب وتكشف العورات وتضخم الأخطاء، كأنما هي تنظر إلى كل هؤلاء الناس بمنظار قاتم شديد السواد، لا تتوقع منهم خيرا ً ولا ترى فيهم رشداً؛ بل إن من يقرأ تقارير عدد من محرري جريدة الشرق الأوسط يخيل إليه أن هذه الجماعات -أي: بها الجماعات الإسلامية في تونس والجزائر ومصر- لا تضم إلا شراذم من الأبالسة والمخربين والقتلة، وأن دعاواهم وبرامجهم تهدم استقرار المشرق والمغرب، وتمزق الأمة وتعود بها القهقرى لعدة قرون، وتستعدي عليها الأمم، وتغرق المجتمعات العربية في الظلام.

وفي هذه الحملات هناك -دون شك- قدر كبير من المبالغة والغلو يفتقد معها القارئ الحيدة والموضوعية، وتتجاوز في كثيرٍ من الأحيان حتى أصول المهنة، وتعبر في الأغلب الأعم عن تحامل وتشفٍ وجنوح للإثارة والتحريض، ويقول: بالنسبة لبعض الكتاب والمراسلين، فمن الواضح أنهم علمانيو النزعة والتوجه؛ ويكتبون من واقع كراهيتهم لتطبيق أحكام الشرع، ولا يودون -على الإطلاق- أن تحرم الخمور أو تغلق علب الليل، وملاهي الرقص، ولا أن يذكرهم أحد بضرورة أداء ما افترضه الله عليهم من صلاة أو زكاة، فهم منطقيون مع أنفسهم ومع ما يكتبون، لكن ماذا عن جريدة الشرق الأوسط نفسها؟! كيف يمكن أن تقع في هذا الفخ وأن تسقط في هذا النهج، وأن تتحمل كمؤسسة إعلامية أوزار وسخائم نفوس هؤلاء العلمانيين؟! فهذا كلام جميل وكبير، وهو ما في نفوسنا ونفوس الكثيرين مما يصل إليهم من بعض ما ينشر في هذه الجريدة وأخوات لها كثيرات، والسؤال -الآن- موجه إلى القائمين على هذه الجرائد وهذه المجلات، وهم من أبناء هذه البلاد، ويظن بهم كثير من الناس خيراً؛ أن يجيبوا على هذا السؤال الذي يدور في نفوس الكثيرين، وعسى أن تكون الإجابة رجوعاً عن مثل هذا المنهج الذي أفقد أكثر القراء الثقة بهذه المجلات التي تصدرها الشركة السعودية للإنتاج والتوزيع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015