وفي ليلة القدر وقفات وعبر، منها: أنها ليلة المغفرة.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} .
ويستحب تحريها في رمضان وفي العشر الأواخر منه خاصة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {التمسوها في العشر الأواخر} متفق عليه.
وثبت هذا من حديث عبد الله بن عمر وأبي سعيد وبالذات في أوتار العشر الأواخر، وهي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، كما ثبت في المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {التمسوها في العشر الأواخر في الوتر منها} .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه -وهو في الصحيح أيضاً- قال: {في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى} فبين عليه الصلاة والسلام أنها أرجى ما تكون في الأوتار من العشر الأواخر.
وكذلك جاء في البخاري من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليخبر أصحابه بليلة القدر فقال لهم: {إني خرجت لأخبركم ليلة القدر فتلاحا رجلان فأنسيتها} -أي: تخاصم رجلان، وهذا يدل على شؤم الخصومة في غير حق، خاصة الخصومة في الدين، وعظيم ضررها، وأنها السبب في غياب الحق وخفائه علىالناس- فقال عليه الصلاة والسلام: وعسى أن يكون خيراً، ثم أمر أن يلتمسوها في ليلة تسع وعشرين، وسبع وعشرين، وخمس وعشرين} .
وأرجى ما تكون أيضاً في السبع البواقي، ولذلك جاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن جماعةً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في السبع الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر} .
ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: {أرى رؤياكم قد تواطأت} أي اتفقت، فكأنهم قد رأوها في المنام إما جاءهم أحد وقال لهم: إنها في السبع الأواخر، أو رأوا في المنام أن ليلة القدر تكون في السبع الأواخر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحريها في هذه السبع الأواخر، وبالذات في ليلة سبع وعشرين، فإنها أرجى ما تكون.
بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث ابن عمر عند أحمد، ومن حديث معاوية عند أبي داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ليلة القدر ليلة سبع وعشرين} .
وليلة القدر أرجى ما تكون ليلة سبع وعشرين للحديثين السابقين؛ ولأن هذا مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء، حتى إن أبي بن كعب رضي الله عنه، كان يحلف على ذلك كما في صحيح مسلم: [[يحلف أنها ليلة سبع وعشرين]] وكذلك ابن عباس رضي الله عنه قال: [[إنها ليلة سبع وعشرين]] واستنبط ذلك من استنباطات عجيبة، منها: أن كلمة (فيها) من السورة {تَنزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] هي الكلمة السابعة والعشرين.
ومنها: ما ورد أن عمر رضي الله عنه، لما جمع الصحابة وجمع ابن عباس معهم، فقالوا: لـ عمر رضي الله عنه هذا كأحد أبنائنا فلماذا تجعله معنا؟ فقال: إنه فتى له قلب عقول ولسان سؤول، وأثنى عليه ثم سأل الصحابة عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر، فقال ابن عباس: [[إني لأعلم أين هي إنها ليلة سبع وعشرين.
فقال عمر: وما أدراك؟ قال: إن الله تعالى خلق السموات سبعاً، وخلق الأرضين سبعاً، وجعل الأيام سبعة، وخلق الإنسان من سبع، وجعل الطواف سبعاً والسعي سبعاً ورمي الجمار سبعاً]] .
ولذلك رأى ابن عباس أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، وكأن هذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.
وبعض العلماء قالوا: ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، لأن كلمة ليلة القدر تسعة حروف، وقد ذكرت في السورة ثلاث مرات، والنتيجة ثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين، ولم يرد دليل شرعي على أن مثل هذه الحسابات يمكن أن يعرف بها ليلة القدر.
وهذا يذكرني بما يتحدث به بعض المعاصرين، هما يسمونه بالإعجاز العددي.
وخلاصة القول أن نقول: ليلة القدر هي في العشر الأواخر وفي أوتارها وفي السبع البواقي، وأرجى ما تكون في ليلة سبع وعشرين، دون حاجة إلى مثل هذه الحسابات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ومما يرجح أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين: أنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أريها في تلك الليلة، وأري صبيحتها أنه يسجد على ماء وطين، وليلة القدر والله تعالى أعلم تتنقل من ليلة إلى أخرى، فغالباً ما تكون ليلة سبع وعشرين لكن قد تكون ليلة إحدى وعشرين -أحياناً- كما في حديث أبي سعيد السابق، وهو متفق عليه، أنه في صبيحة إحدى وعشرين سجد على ماء وطين.
ومما يتعلق بليلة القدر: أنه يستحب فيها الإكثار من الدعاء خاصةً الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها حين قالت: {إن أريت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني} والحديث رواه الترمذي وابن ماجة وسنده صحيح.