والمدرس الداعية يهتم بالنشاط المدرسي -وإن كان لا بد من العناية بالجانب المظهري في النشاط المدرسي- من الرسوم والخطوط وغيرها فليكن ذلك ذريعة إلى غيره, وإلى ما سواه من ألوان النشاطات المدرسية التي هي بناء للطلاب, كالاجتماعات المفيدة, والرحلات النافعة, ولا يكون هذا النشاط المظهري غاية ننتهي إليها.
فالنشاط المدرسي نشاط مهم جداً, وينبغي أن نزاحم المؤسسات الأخرى الموجودة في المجتمع, كالأندية الرياضية وغيرها، في شغل أوقات الطلاب, وإنه ليؤسفني أن أقول: إننا أصبحنا نسمع ونقرأ -في صحف اليوم- أن النشاطات المدرسية في المدارس الأهلية في بلادنا, أو في المدارس الأجنبية, أصبحت في غاية الغرابة, فهي تعلن عن نشاطات رياضية, ونشاطات للسباحة, بل تعلن عن أسفار إلى بلاد الغرب للطلاب في المرحلة الثانوية, بل ربما في المرحلة المتوسطة والابتدائية, وتعلن عن نشاطات كثيرة, ومن الواضح أن المستهدف بها خلق الطالب, ودين الطالب, وحياء الطالب, ومروءة الطالب, ورجولة الطالب, ومحاولة سلخه عن المجتمع.
فأحرى بتلك المدارس التي تمتلئ بالمدرسين الأخيار, أن تكون مجالاً للدعوة إلى الله تعالى, وأن يحرصوا على الاستفادة من كل الفرص في شغل أوقات الطلاب في النشاطات المفيدة, ولا ينبغي أن تقتصر هذه النشاطات على النخبة من الطلاب أو الصالحين منهم, فالكثير من الطلاب ربما يكونون راغبين في الخير لو وجدوا الموجه الناصح, ولكنهم تأثروا بغيره.
وقد وقفت على إحصائية مهمة ومفيدة أعدها الأستاذ محمد بن عبد الله الدويش , وسوف تخرج في كتاب له عن التعليم قريباً, يقول: هذه الإحصائية تدل على مدى الرغبة في الخير عند الكثير من الطلاب, حتى ولو لم يكونوا مستقيمين في مظاهرهم, متى أحسنا إليهم وصبرنا عليهم وأقمنا معهم الجسور؛ فإننا سوف نظفر منهم -إن شاء الله تعالى- بخير كثير, يقول: قمت بإجراء دراسة على فئة من الشباب, من غير أهل الصلاح والاستقامة, فأجاب (93%) من طلاب المرحلة الثانوية, و (92%) من طلاب المرحلة المتوسطة أنهم سبق أن فكروا في الالتزام, وأجاب (32%) من الجميع أنهم فكروا تفكيراً جدياً في العودة إلى الخير والالتزام به, وأفاد (46%) من طلاب الثانوية, و (37%) من طلاب المرحلة المتوسطة, أنهم يرغبون رغبة أكيدة في تغيير واقعهم.
أما الذين ليس لديهم رغبة في تغيير الواقع فهم (3%) فقط من طلاب المرحلة الثانوية, و (7%) فقط من طلاب المرحلة المتوسطة.
والفئة الكبرى من هؤلاء الشباب مع ما فيهم من الفساد أو إعراض, فهم غير راضين عن الواقع الذي هم عليه, وقد أفاد (6%) من طلاب الثانوية, و (14%) من طلاب المتوسطة, أنهم راضون عن الواقع, أي أن (94%) و (86%) من الشباب يملك قدراً من عدم الرضا بالواقع.
إن هذا التعبير وهو عدم الرضا عن الواقع هو بداية خير, وبذرة يمكن أن تستغل وأن يستفاد منها.
إذاً اجعل -أيها المدرس الداعية- هؤلاء كلهم ضمن اهتمامك وعنايتك, ولا تقصر جهدك على عشرة أو خمسة من الطلاب المستقيمين الصالحين, وترى أنك قمت بالواجب تجاههم، إن لأولئك عليك حقاً.
يقول المتنبي عن نفسه: وحيد من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد نعم المدرس يشكو لوحده, فالبيت والوالد والوالدة والشارع والمجتمع, بنواديه, ومؤسساته, وشلله الشبابية, كلهم ربما لا يساعدونه في أحيان كثيرة, فهل من العقل أو العدل أن يبقى المدرس وحيداً؟! كلا, بل أقول: إذا بقي المدرس وحيداً فإنه لن ينجح, مثال ذلك: المُدرِّسةُ تعطي للطالبة معلومات أن المرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة, ثم تخرج الطالبة إلى البيت, فترى في التلفاز امرأة من بنات جنسها, وقد كشفت عن شعرها ووجهها ونحرها وصدرها وساقيها, بل وما فوق ركبتيها أحياناً, ولبست ثياباً ضيقة بل ومشقوقة, وركبت مع الأجانب, وأصبحت تغازل الشباب, وتتصل بالهاتف, وتتكلم, وتضحك وتغني وترقص, إلى غير ذلك , فهذه المدرَسة المدمرة المسماة بالتلفاز, إنها تأتي على أي أثر تبنيه المُدَرِّسَة خلال خمس أو عشر دقائق في المدرسة, وتأتي عليه بوسائل التكنولوجيا المعاصرة، فالفساد مدجج بأحدث الوسائل العصرية, أما الخير فلا يملك إلا مقرراً مدرسياً ووسائل غير مكافئة, وربما يكون المدرس أحياناً مقصراً أو مشغولاً, فلك أن تتصور ماذا يكون مصير الأجيال حينئذ.
ثم تسير هذه البنت في الشارع, فربما ترى نوعاً من التبرج, فتركب في الطائرة فترى شيئاً من ذلك, فأي وضع ومصير تتوقع أن تكون إليه هذه الفتاة؟! إن الجهود يجب أن تتضافر في بناء الجيل, ويجب أن يكون للبيت دوره, وللمدرسة دورها, وللإعلام دوره, وللمسجد دوره, ولكل واحد منا دوره, وأقول إذا قصر بعضهم فلا يعني هذا أننا يجب أن نتخلى, وقد رأينا بأعيننا الأثر الكبير للمدرسين والمدرسات, كما رأينا الأثر الكبير للدعاة في أعماق البيوت, ورأينا أن هذا الأثر بحول الله تعالى وعونه, قد تغلب حتى على تأثير أجهزة الإعلام المدججة بالتكنولوجيا المعاصرة, وتغلب على أعداد غفيرة من دعاة الفساد والانحلال, وما ذلك إلا لأن الجهد الذي يباركه الله تعالى وينميه ويزكيه, جهد نافع مبارك, حتى ولو كان جهداً قليلاً.
وللبيت دور في تعزيز ومساندة المدرسة, كالحث على أداء الواجب, والحث على المذاكرة والتوجيه خلال بقاء الطالب أو الطالبة في المنزل, واختيار الجلساء الصالحين, وعدم تسليم الطالب أو الطالبة لغير الصالحين، والمحافظة على أداء الصلوات, والمحافظة على الطالب في الإجازات وفي العطل الطويلة والقصيرة.
وهناك دور للمسجد, فحلقة تحفيظ القرآن الكريم لها دور كبير في رعاية الطلاب وتوجيههم, كذلك الحلقة العلمية: كحلقة الحديث, وحلقة الفقه, وحلقة الذكر، والمكتبات الموجودة في المساجد، والإمام في المسجد, أو طالب العلم في المسجد, فكل هؤلاء يجب أن يكون لهم دور في رعاية الطلاب, وفي توجيههم وإرشادهم, وأن لا نكل مهمة الأجيال إلى المدرس فقط, فإنه حينئذٍ لابد أن يعلن عجزه عن ذلك, إذا تخلى الباقون عن دورهم.
كذلك النشاط الصيفي كالجمعيات, والمراكز الصيفية لها دور أيضاً, ثم إن للمدرسة دوراً كبيراً في تعميق الصلة بأولياء الأمور ودعوتهم إلى بعض الاجتماعات, وموافاتهم بأحوال أبنائهم.