إن إعداد الجيل إعداداً تربوياً صحيحاً لا يكون بالعلم وحده فقط، بل يكون بالعلم وبالعمل وبالأخلاق وبالسلوك, لهذا ينبغي أن تكون مهمة المدرس أمراً آخر أكبر من مجرد نقل المقرر إلى أذهان الطلاب, أو ختم المنهج الدراسي في نهاية العام, أو تصحيح أوراق الإجابة لينام بعد ذلك قرير العين, ويظن أنه قد أدى ما عليه, كلا! إن كل مدرسٍ مطالبٌ بأن يبني الدين والخلق في قلب الطالب, ويرسم الحق في عقله, ويُكَوِّن -بإذن الله تعالى- ذلك الإنسان السوي المستقيم في تفكيره ومشاعره, وفي أقواله وأعماله.
وذلك ليس على مدرس المواد الشرعية فقط, وإن كان مدرس المواد الشرعية يتحمل عبأً كبيراً؛ لأنه في نظر الطالب هو الشيخ الذي يتلقى عنه المعلومات: قال الله وقال الرسول, والحلال والحرام, ولكن حتى مدرس الرياضيات ينبغي أن يختار المثال المؤثر في ذهن الطالب.
فليس صحيحاً أن يختار المدرس -مثلاً- للمسائل الحسابية أن يختار الربح البسيط, والربح المركب الذي هو لون من ألوان الربا, وليس صحيحاً أن تكون الأمثلة تتراوح بين أعداد أجهزة الهدم والفساد والتخريب, أو بين أرقام الفوائد الربوية, أو بين إحصائيات غريبة, والتي لا تمت بصلة إلى ديننا ولا إلى مجتمعنا.
كذلك مدرس العلوم -مثلاً- فإنه يستطيع أن يبني مع كل معلومة جديدة يقدمها للطلاب لبنة في إيمانهم: إيمانهم بالله تعالى خالق الكون ومحبتهم لله عز وجل, وخوفهم منه, وإيمانهم بالدار الآخرة، وإيمانهم بالجنة والنار, فإن المدرس يستطيع أن يصنع من ذلك شيئاً كثيراً.
كذلك مدرس اللغة العربية يستطيع أن يربط اللغة بالشريعة, فاللغة هي وعاء الإسلام, وبها نزل القرآن الكريم, وبها تكلم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم, بل هو أفصح من نطق بالضاد, فينبغي أن تكون اللغة عنده وسيلة لتعميق مفاهيم الإيمان, وليست وسيلة إلى ترويج المبادئ العلمانية, أو الأفكار الحداثية, أو الدعاية للشخصيات ورموز الأدب الغربي والشرقي المناوئ للإسلام.
كذلك مدرس اللغة الإنجليزية يستطيع من خلال تلك اللغة, أن يعلمهم المصطلحات التي يحتاجون إليها والمقابل لها من المصطلحات الشرعية، وأن يبين لهم لماذا يدرسون هذه اللغة؟ وأن يسعى لتصحيح المفاسد الموجود في تلك المناهج, وإلى تربية عقول الطلاب, لا أن يجعل من تدريسه لهذه المادة -مثلاً- فرصة لنقل التعاسات الغربية, أو ربط الطلاب بمجتمعات أجنبية, أو دعوتهم لمشاهدة الأفلام, أو السفر إلى تلك البلاد, أو معايشة الأسر الكافرة بحجة تعلم اللغة.
حتى مدرس الرسم -مثلاً- يستطيع أن يربي الطالب على النظر في ملكوت السموات والأرض, وعلى أن يتجنب ما حرم الله تعالى من رسم ذوات الأرواح, وعلى أن يكون إنساناً معظماً لله تعالى متأملاً في بديع صنعه وخلقه.
وحتى مدرس الرياضة يستطيع أن يجعل من هذه الحصة التي ينظر إليها الكثير على أنها لمجرد الراحة بعد عناء الدروس, أن يجعل منها فرصة لتربية الطلاب على الأخلاق, وإبعاد الكلمات البذيئة الفاحشة من ألسنتهم, ومنعهم من التصرفات المنافية للأخلاق, وأقول مثل ذلك لجميع المدرسين.