أولاً: لا يجوز أبداً أن تكون المعركة بين فئة من المسلمين والبقية يتفرجون، إن الحرب على الإسلام في بلد هي حرب على المسلمين جميعاً، وإن إعلان الحرب على المسلمين في الصومال مثلاً، يجب أن تكون إعلاناً للحرب على المسلمين في كل مكان، وفي البوسنة والهرسك نفس الكلام، وفي السودان نفس الشيء، وفي الجزائر وفي مصر، وفي كل بلاد الإسلام.
فحرب المسلمين في بلد هي: حرب على المسلمين في كل بلد، ويجب أن نتجاوز حدود الأرض والمكان، ونناصر قضايا المسلمين حيث كانت، تحقيقاً لمعنى الإخوة الإيمانية، قال الله تعالى {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن استنصرك فانصره} .
كما لا يجوز أن تكون الحرب مثلاً مع رجال الإسلام، أو دعاة الإسلام، أو علماء الإسلام، أو الجماعات الإسلامية والشعوب تقف متفرجة لا تنفع ولا تدفع، بل يجب أن نعيد جسور الثقة ونقويها بين الشعوب، وبين حَمَلَة رسالة الإسلام، علماء كانوا أو دعاة، وإن على كل داعية، وطالب علم، وشيخ، أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر مع المسلمين جميعاً، وكل من أخذ بيده إلى معروف يفعل، أو منكر ينهى عنه أن يسارع إلى ذلك.
كما إنه يجب على دعاة الإسلام أن ينغمسوا في الشعوب، وأن يساعدوها بكل شيء، وأن يبذلوا لها من أوقاتهم، وعقولهم، وإمكانياتهم، ومشورتهم، وجهدهم، وعَرَقِهم ما يزيد من قناعة الشعوب؛ بأنها لا يمكن أن تنفصل عن هؤلاء الدعاة، وأنهم هم الممثلون الحقيقيون لها، وهم المدافعون الحقيقيون عن قضاياها، ويجب أن نحشد كل الإمكانيات في هذا السبيل، وألا نعوِّد أنفسنا حسن التخلص من الناس، بل نعود أنفسنا حسن المساعدة للناس بقدر ما نستطيع، ونتصدق من دينارنا، ودرهمنا، ومن صاع بُرِّنا، وصاع تمرنا، حتى ولو بشِقِّ تمرة، نتصدق بجاهنا، وبجسمنا، وبعقولنا، وبإمكانياتنا، وبرأينا وبما نستطيع به إيصال الخير للمسلمين سواء أكان خيراً أخروياً يتمثل في النصيحة للدين، أم خيراً دنيوياً يتمثل في إعانة المحتاج، ومساعدة الفقير، وإغاثة الملهوف، وبذل ما يمكن من الجاه والمال لكل المسلمين حيث كانوا.
إنَّ أعداء الإسلام يعملون قدر المستطاع على أن تكون الحرب موجهة نحو فئة، أو نحو أشخاص معينين، وأن يعملوا على تحييد المسلمين، وإبعادهم عن ميدان المعركة، لأنهم قد يملكون القضاء على شخص، أو على فئة، أو جماعة، أو راية، ولكنهم لا يملكون القضاء على الأمة الإسلامية بجملتها، لأن الأمة الإسلامية قد وقيت وحميت بإذن الله تعالى من عذاب الاستئصال، فهي باقية إلى قيام الساعة بإذن الله، كما وعد الله وكما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه الأمة باقية إلى قيام الساعة، فلن تزول إذاً، ومتى ما استطاع دعاة الإسلام أن ينغمسوا في هذه الأمة، وأن يكونوا هم وهي في خندق واحد، فالمستقبل واحد، والمصير واحد، والتحدي واحد، فإنه حينئذٍ سوف يسقط في أيدي الأعداء ولن يستطيعوا أن يصنعوا شيئاً.
ونحن نعلم أنَّ قَدَرَ الله تعالى غالبٌ، وأنَّ هذه الأمة منصورة، وأن أعداء الإسلام تقاس أعمارهم بالسنوات، أو بعشرات السنين، أما أعمار هذه الأمة فهي تقاس بالقرون والأحقاب وبمئات السنين، بل بآلاف السنين، ونحن نملك وعداً ربانياً بمعارك منتصرة منجزة للمسلمين مع عدوهم، فلا يجوز أن نيأس أو نهون، قال الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] .
لقد رأينا أن دولة كفيتنام تدخل فيها الأمريكان، مع أن المقاتلين كانوا من الكفار والشيوعيين، فقاتلوهم وحاربوهم وأعطوهم درساً لن ينسونه، وقد أصبحت قضية فيتنام في التاريخ الأمريكي، أصبحت شبحاً يهددهم ويخوفهم ويرعبهم، وقامت المظاهرات الطويلة العريضة في أنحاء أمريكا في شرقها وغربها تطالب بالخروج من ذلك التورط الذي لم يحسبوا له حساباً.
فهل نعتقد أن أهل الإسلام، وأهل التوحيد، والتضحية، والبسالة، والذين يفرحون بالموت في سبيل الله، والذين يطلبون الشهادة، هل نعتقد أنهم أقل شأناً، أو قدراً، أو عدداً، أو عدةً، أو تضحيةً، أو إيماناً بالهدف، وأنهم أقل من أولئك الكفار الشيوعيين الذين لقَّنوا الأمريكان درساً لم ينسوه ولن ينسوه أبداً.
إنه يجب أن يجتمع المسلمون المخلصون، وأن تتوحد صفوفهم، في مقاومة الكفر وأهله، فإلى متى نستمر، ونحن نمضغ خلافاتنا، ونترامى ونتراشق بالسباب، ونتبادل الاتهامات، أفي كل يوم لا تعقلون! أوَ يصح أن نسكت عن عدونا، وهو يتدخل مباشرة بقوته، وبسلاحه، وبجنوده، وبجمعياته، وينصِّر المسلمين، ومن رفض التنصير يتدخل عسكرياً لمقاتلته، ونزع سلاحه وفرض حكومة بوصاية أجنبية! أوَ يصح أن نسكت عن هذا العدو المعلن بحجة أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً، ثم ننشغل فيما بيننا بإخواننا، فننشغل بالشتم والاتهام والسب! إخواننا في العقيدة وفي الدين وفي المنهج، ألا نخاف الله عز وجل؟ ألم يقل الله تبارك وتعالى للمؤمنين الصادقين: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] متى تدرك هذه الأمة حجم التحدي الذي تواجهه؟ متى نعرف ونعقل كما عرف وعَقِلَ لقيط بن حارثة وكان رجلاً جاهلياً رأى الحرب التي توجه إلى قومه، فقال تلك القصيدة التي سار بها الركبان يحذرهم، ويحثهم على الاستعداد لعدوهم: يا دار عمرة من محتلها الجرعا هاجت لك الهم والأحزان والجزعا بل أيها الراكب المسري على عجلٍ نحو الجزيرة مرتاداً ومنتجعا أبلغ إياداً وخلل في سراتِهمُ إني أرى الأمر إن لم أُعصَ قد نصعا يا لهف نفسي إن كانت أموركم شتى وأُحكِم أمرُ الناس واجتمعا ألا تخافون قوماً لا أبا لكُمُ مشوا إليكم كأمثال الدبا شرعا لو أن جمعهم راموا بهدته شُمَّ الشماريخ من ثهلان لانصدعا في كل يوم يسنُّون الحراب لكُم لا يهجعون إذا ما غافل هجعا لا حرف يشغلهم بل لا يرون لهم من دون قتلكم رياً ولا شِبعا وأنتم تحرثون الأرض من سفهٍ في كل ناحية تبغون مزدرعا وتلقحون حيال الشول آونةً وتنتجون بدار القلعة الربعا وتلبسون ثياب الأمن ضاحية لا تجمعون وهذا الليث قد جمعا ما لي أراكم نياماً في بَلهنيةٍ وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم يغشاكم قطعا صونوا خيولكُمُ واجلوا سيوفكمُ وحدِّدوا للقسيِّ النُّبل والشرعا واشروا بلادكم في حرز أنفسكم وحرز نسوتكم لا تهلكوا هلعا أذكوا العيون وراء السرح واحترسوا حتى ترى الخيل من تعدادها رجعا لا تثمروا المال للأعداء إنهمُ إن يظهروا يحتووكم والتلاد معا هيهات ما زالت الأموال مذ أبَدٍ لأهلها إذ أصيبوا مرةً تبعا قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم ثم افزعوا قد ينال الأمر من فزعا وقلدوا أمركم لله دركُمُ رحب الذراع بأمر الحرب مطلعا لا مترفاً إن رخاء العيش ساعده ولا إذا عضَّ مكروهٌ به خشعا مسهَّدُ النوم تعنيه أموركم يروم منها إلى الأعداء مُطَّلعا ما انفك يحلب هذا الدهر أشطره يكون مُتَّبِعاً يوماً ومُتَّبَعا لا يطعم النوم إلا ريث يحجزه همٌ تكاد حشاه تحطم الضلعا حتى استمرت على شزر مريرته مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعا عبل الذراع أبياً ذا مزابنةٍ في الحرب يحتبل الريبال والسبعا لقد محضت لكم ودي بلا ذخرٍ فاستيقظوا إن خير العلم ما نفعا إنني ادعوا كل مسلم وكل غيور إلى أن يعيد قراءة هذه الأبيات مرة أخرى، بؤساً لأمة زانها الله تعالى بالإسلام، وصانها بالتقوى، ومع ذلك وجد هذا الرجل الجاهلي من حسن المشورة، وقوة الرأي، وبعد النظر، وسداد الأمر ما غاب على كثيرين ممن قد يكونون في موقع الرأي أحياناً، وفي موقع المشورة، وفي موقع العلم، وفي موقع المسئولية، والله تعالى وحده المستعان.