اللجوء إلى الله بالدعاء والعبادة

الأمر الثالث: الذي نريده منك -وفقك الله وحماك- أن تقوم لله عز وجل بالقنوت والذكر، والعبادة والدعاء فإن هذا من أزمنة الدعاء، كما يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما رواه مسلم عن معقل بن يسار يقول عليه الصلاة والسلام: {العبادة في الهرج كهجرة إلي} يعني أن إقبال الناس على الله عز وجل بالعبادة في أزمنة الهرج، وهي أزمنة الفتن والقتل والقتال مثل الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته، وهذا فضل عظيم للعابد، لا يكون له في أي حال، إنما يكون في مثل أوقات الفتن، التي سماها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوقات الهرج.

فنريد منك أن تقبل على العبادة وتفزع إلى الصلاة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، ومن العبادة ذكر الله عز وجل بألوان الذكر، من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، فإن هذا يقربك إلى الله عز وجل زلفى.

ومن العبادة أيضاً، القنوت، والدعاء لله -جل وعلا- فإن ميزة المؤمنين أنهم يتضرعون إلى الله -تعالى- والمؤسف أيها الإخوة أن الله حكى في القرآن الكريم حتى عن الكافرين، أنهم في أزمنة الشدة، يتضرعون إلى الله عز وجل {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] وقال: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس:22] دعوا الله مخلصين له الدين، واليوم أهل الإسلام وأهل التوحيد وأهل العقيدة الصحيحة -كما يقولون هم عن أنفسهم- تمر بهم الأزمات والنكبات والفتن والمحن، فلا يفكرون إلا في مواعيد الأمم المتحدة وقرارات بوش، وفيما ينتهي إليه اجتماع الكونجرس0 أما الإقبال على الله عز وجل والتضرع إلى الله تعالى، وما أصدق الدعاء، فكأن كثيراً من الناس ضعف في قلوبهم الاقتناع، والإيمان بتأثير الدعاء، كأن كل واحد يظن أن الأسباب المادية غلبت، فنظن أن الدعاء لا يصنع شيئاً0 أتهزأ بالدعاء وتزدريه ولا تدري بما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطي ولكن لها أجل وللأجل انقضاء فالدعاء من أعظم الأسلحة، التي ينبغى أن يتضرع بها المؤمنون، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر، يواجه عدواً ثلاثة أضعافهم من حيث العدد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في العريش، يرفع يديه إلى الله تعالى بالدعاء حتى يسقط رداؤه عن منكبه، وهو يقول: {اللهم إن تهلك هذه العصابة، لا تعبد بعد اليوم حتى يرى أبو بكر رضي الله عنه التأثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم والشدة؛ فيعتنقه، ويلتزمه من ورائه ويقول: يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك، فإن الله -تعالى- منجز لك ما وعد} فهذا هو صدق الدعاء وصدق اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى.

ولذلك فإن الدعاء، والبلاء يعتلجان ما بين السماء والأرض، فيرد الدعاء البلاء، {لا يرد القضاء إلا الدعاء} كما جاء في حديثٍ رواه سلمان وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن: {لا يرد القضاء إلا الدعاء} فيصدق العبد في دعائه لله جل وعلا.

والدعاء يكمل الإنسان به العجز في الأسباب المادية، فلا تقعد فقط، وتدعو، لكن الدعاء من الأسباب الشرعية، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً في فتح مكة حرص على ألا يصل خبر الغزو إلى قريش، فوضع العيون والحراس على أنقاب المدينة، حتى لا يتسرب الخبر، هذا هو السبب المادي، ثم بعد ذلك قال: {اللهم عم عليهم فلا يصل إليهم الخبر} هذا هو السبب الشرعي، وهو الدعاء، فيجمع بين الأسباب المادية وبين الأسباب الشرعية، ويعلم أن الأسباب المادية لا ثمرة لها إلا بالأسباب الشرعية، والتي من أهمها الدعاء، وصدق اللجوء إلى الله عز وجل.

ولذلك فإن من المناسب جداً في نظري، أن يقنت الناس في مثل هذه الأيام، وأتعجب حين نقول: إن القنوت يشرع في النوازل، ولا نقنت الآن!! متى تكون النوازل؟! وما لون النوازل إذاً؟! هل هي حمراء؟! أو صفراء؟! إذا لم تكن الأزمات التي نعيش بها الآن، وتعيش بها الأمة هي من أعظم النوازل، بل لو قلت: إن الأمة لم تعش مثل هذه النوازل منذ عهد الحروب الصليبية، بل ربما منذ عهد النبوة، لما كان هذا غريباً، فالأمة ليس في هذا البلد فقط، بل في جميع بلاد الإسلام، تعيش من النوازل والزلازل والفتن والمحن والتفرق والتشريد وتسليط الطغاة والبغاة والأعداء، وتشتت العقائد والقواعد، ما لم يكن لها بمثله عهد منذ مئات السنين.

فهذه عين النوازل، فينبغي للناس أن يفزعوا إلى لله عز وجل بالقنوت في الفرائض ويدعوا، ليس لأنفسهم فقط، بل يدعون لأنفسهم ويكون صلب الدعاء هو الدعاء لهذه الأمة بالنصر والتمكين والفرج، وحمايتها من كيد عدوها، وندعو الله عز وجل أن يحمينا من كيد عدونا أياً كان هذا العدو، سواء أكان عدواً ظاهراً أم مستتراً، داخلياً أم خارجياً، فالأعداء كثر، وكما قال الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:60] فهناك أعداء ظاهرون، والعدو الظاهر يكون أمره أهون؛ لأنه يكافح ويواجه ويحارب، والمشكلة في العدو المستتر، سواء أكان هذا العدو المستتر، من المنافقين المندسين، أم كان من المتظاهرين بالصداقة: فمنهم عدو كاشر عن عدائه ومنهم عدو في ثياب الأصادق ومنهم قريب أعظم الخطب قربه له فيكم فعل العدو المفارق كم من عدو في ثياب صديق! ولذلك يجب أن ندعو الله عز وجل أن يحمي الأمة من كيد صديقها وعدوها -إن صح التعبير- ولا نكون مثل ذلك الذي يقول: اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم.

نقول: لا، نحن لسنا كفيلين بأحد، اللهم اكفنا شر أعدائنا، وشر أصدقائنا -إن صح التعبير- وشر أنفسنا أيضاً، وشر شرارنا، فيدعو العبد ربه عز وجل بكل هذه الأشياء، ولعل من الأدعية المناسبة في مثل هذه الظروف، وإن لم يكن دعاء مشروعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه في معنى الدعاء المشروع، وأرى أنه مناسب، كما يقول بعض الصالحين يقول: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.

فهذه إذا حصلت؛ فالحمد لله رب العالمين، لا نريد أفضل من هذا، أن يهلك الله -تعالى- الأعداء بعضهم ببعض، ثم يسلم هذه الأمة ويخرجها سالمة، ويحفظ لها قوتها، ويحفظ لها شبابها، ويحفظ لها رجالها، فنقول: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين وكما قال تعالى: {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] المهم أن يقبل على ربه بصدق في الدعاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015