واقعنا لا يؤهلنا للجهاد

إذا كان هذا هو الواقع -أيها الإخوة- فإنني أقول: إن هذا دليل على أننا لا نصلح للجهاد بهذا الشكل، لأن يوشع بن نون عليه الصلاة والسلام، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه لما غزا إحدى البلاد، فأوشكت الشمس على المغيب، قال لها: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً فتوقفت الشمس، توقفت لـ يوشع عليه الصلاة والسلام فغزا وانتصر، لكنه قبل غزوه -وهذا هو الشاهد- قال لقومه -اسمعوا هذه خطبة الجهاد-: لا يتبعني منكم رجل قد عقد على امرأة، ولمّا يدخل بها، أي: إنسان قلبه معلق بزوجته سيدخل عليها، هذا لا يصلح لنا، فلينصرف إلى زوجته، فانصرفت طائفة، فقال: لا يتبعني رجل قد ملك إبلاً وغنماً وهو ينتظر نتاجها وولادها، هذا لا يصلح لنا، فليذهب إلى بقره وغنمه وإبله.

ثم قال: لا يتبعني رجل بنى داراً ولما يرفع سقفها، فقلبه مشغول "بالفيلا" هذا لا يصلح للجهاد؛ لأنه يفكر بقضية الدهان والتبليط والسباكة، والأشياء التي لا تتناسب مع مشاعر وروح المجاهد في سبيل الله عز وجل! فانصرف هؤلاء، وهؤلاء، وهؤلاء، فغزا فانتصر، إلى آخر القصة المعروفة.

فالمهم أن الأمة المجاهدة، يجب أن تكون مجاهدة بحياة قلوبها، وبارتفاع معنوياتها، وبصدق إيمانها، وبصحة توكلها على الله عز وجل، وليس بتعلقها بهذه الأشياء الدنيوية.

أيها الإخوة: لا يفهم من كلامي هذا أني أعارض اتخاذ الأسباب، كلا، فإن اتخاذ الأسباب التي هي أسباب فعلاً، ما دامت مباحة لا بأس بها، يسأل كثير من الناس يقول: مثلاً وضع ما يسمى (بالشطرتون) على النوافذ، نحن لا نعتب على الناس أن يفعلوا هذا، لا نقول لهم افعلوا، لكن لا نعتب على من فعل هذا، فهو أمر عادي، سبب عادي، وإذا كان هناك خوف حقيقي من شيء، واتقاه الإنسان بسبب قد أباحه الله تعالى له، فليس المقصود أن نعتب على الإنسان بهذه الأمور، لكن العجب كل العجب، أن تكون كل اهتمامات الناس، وتفكيرهم، وأسئلتهم عن ذلك، فكم واحد الآن يسأل عما قضية ماذا يجب أن نصنع للإسلام! نادر، لكن مئات، بل ألوف يسألون كيف نصنع؟ هل نضع أشياء على النوافذ؟! ماذا نصنع بأولادنا؟! ماذا نصنع في بيتنا؟! هل نستخدم أو لا نستخدم؟! إذاً الذين يسألون عن سلامتهم الشخصية، وسلامة زوجاتهم، وسلامة أطفالهم ومعيشتهم، أعداد غفيرة من الناس، لكن الذين يسألون عن قضية الإسلام، وماذا يصنعون للإسلام؟ أستطيع أن أقول: إنهم أفراد قلائل، وهذا أمر لا شك خطير؛ لأنه يدل على أن مشاعر الأمة ما زالت دون المستوى المطلوب.

بعض الناس يسألون -أيضاً- عما يعرض الآن، أو يعلن للأمة في أجهزة الإعلام، من طلب الاحتياطات، وكيفية ما يصنعه الإنسان، ورأيت كثيراً يرون أن هذا الأسلوب في أجهزة الإعلام غير سليم وغير جيد، لأنه أوجد الرعب والفزع في نفوس الناس، ومع أنني ربما تحدثت سابقاً في قضايا كثيرة تتعلق بوضع الإعلام، وضرورة تصحيح الإعلام، وبناء الإعلام بناء يضمن أن توجد الأمة المجاهدة الصحيحة، إلا أنني في هذه المرة بالذات أقول في رأيي: أن شد مشاعر الناس في هذه الظروف لا بأس به، لماذا نظل دائماً أمة ترف؟! وأمة خوف، ورعب، لو مر قط من أمام أحدنا، ربما أصيب بهلع، وارتفع نبض القلب، أنظل إلى الأبد هكذا؟! لا دع الناس يسمعون مثل هذه الأخبار، ومثل هذه النذر، ويحسون أن هناك خطراً يهددهم، حتى ترتفع معنوياتهم، يرتفع إيمانهم، ويقبلون على ربهم.

الآن الناس -يا إخوان- في البلاد -مثلاً- التي تعودوا على سماع أزيز الرصاص وأصوات المدافع، وأصوات القنابل فيها، كما هي الحالة بالنسبة في لبنان مثلاً، أو في أفغانستان، أو أي بلد، أصبحت هذه الأشياء عادية جداً عندهم، فأصبح الطفل -مثلاً- قد يرى أمه تقتل الساعة، ثم يذهب إلى حال سبيله، فالأمر أصبح عادياً عنده، فكل أمر إذا اعتادت عليه الأمم والشعوب لم يعد يخيفها، فيمكن أول مرة ربما يفزع الناس ويرعبون وينزعجون؛ لكن بعد ذلك يتطبعون، ونحن في حاجة إلى أمة تتطبع على الجهاد وتحيى مشاعر الجهاد، وروح الجهاد، وليست أمة همها الأكل والشرب وهمها سلامتها الشخصية فحسب، لا! نحن نريد أمة تعيش لغيرها لا لنفسها، ونريد أفرادا يعيشون لأمتهم، نريد قلوباً قوية عزيزة، لا يخيفها أن تسمع صوت طائرة، أو تسمع صوت الإنذار.

ولذلك أقول: إن هذا الذي يحدث الآن كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل، وكان يجب أن نربي الأمة ليس على الغناء واللهو والطرب والمشاعر والأشياء التي تحدر قلوبهم، وتميت ضمائرهم، وتجعلهم خامدين وميتين وخاملين، وأهل رخاوة وضعف واستحذاء وتأنث، لا! كنا من زمن بعيد بحاجة إلى أن نجند أجهزة إعلامنا، وأن نجند كل وسائل التربية عندنا إلى بناء جيل قوي، وبناء أمة مجاهدة؛ لأن الجهاد قدر هذه الأمة أمس واليوم وغداً، ويجب أن نعلم ذلك، ونصدقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015