أما المسلمون فلا شك أن المسلم العادي، أصبح لا يكترث بمثل هذه القضايا إلا من خلال زاوية واحدة، تظهر من خلال الأحداث التي نعيشها الآن.
فما هو الأمر الذي فعلناه، ونحن نترقب -كما يقولون- ساعة الصفر! كل ما فعلناه، هو أننا التفتنا فوجدنا كل فرد منا حصل على مكاسب معينة، في سكنه وبيته وأهله ومؤسساته ومزارعه، فصار حريصاً على ألا يضيع شيئاً من هذه المكاسب، فركض الناس إلى تأمين معايشهم وأرزاقهم، وتأمين ما يحتاجون إليه في حالة توقف التيار الكهربائي، أو في حالة عدم إمكانية الخروج، أو ما أشبه ذلك، فأصبح الناس كل همهم أن يشتري واحد منهم سراجاً يضيء به بيته، حتى حدثني بعض الإخوة الثقات أن قيمة السراج وصلت إلى مائة وعشرين ريالاً، ويقول لي أحد الجيران: شاهدت معركة أمس في السوق، فبعض أصحاب المستودعات كان عندهم سرج منذ زمن قديم قد عفا عليها الزمن، وقد تركت -وكما يقول المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد- فقام وأخرجها يقول: فاضطرب الناس حولها، وصار عراك شديد، وارتفعت الأصوات، وامتدت الأيدي، وأصبح الحصول على السراج أحياناً بالسوق السوداء.
!! إذاً المهم أن يوجد سراج يضيء بيتنا، وكذلك الأمتعة والأطعمة والمؤن فيشتري الإنسان كميات كبيرة منها تكفيه لسنوات، وكأن الواحد منا يفكر أنه في حالة حصول شيء -ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم وسائر المسلمين- كل ما في الأمر أن الواحد سوف يغلق عليه بابه، ويجلس يأكل ويشرب! وإذا مات جيرانك جوعاً! لا يهمك أمرهم!! أين أنت حتى من الشاعر الجاهلي الذي يقول: ولو أني حبيت الخلد فرداً لما أحببت بالخلد انفرادا فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا هذا في الجاهلية، أما حين جاء الإسلام أصبح الأمر شيئاً آخر، كان الواحد يموت من أجل جرعة من ماء يسقيها أخاه، قال تعال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] وأصبح الناس في حالة من الهلع والفزع والرعب، لا يعلمها إلا الله عز وجل، فأقول: كل ما يحرص عليه الإنسان العادي اليوم هو أن يؤمن نفسه، ويؤمن معيشته، ويؤمن بيته بهذه الأشياء، ولا يفكر في أمر آخر وراء ذلك.
حتى إنني سمعت أن بعض الغربيين يقول: أنتم أحد رجلين إما شجعان أو مجانيين، إما شجعان شجاعة تجعل الإنسان لا يعبأ بالحرب ولا يبالي بها ولا يكترث لها، وإما إنكم لستم تفكرون تفكيراً صحيحاً، فإن العالم الآن البعيد يضطرب، فما بالك بالقريب، أنا لست أدعو إلى أن نظهر فزعاً أو هلعاً أو رعباً، ولكن سأتحدث عن قضية التوكل على الله عز وجل وأمور كثيرة إن شاء الله، لكنني أتعجب من أن كل همنا وتفكيرنا أصبح مقصوراً في تأمين معايشنا، والحفاظ على ما كسبنا، فالإنسان الذي عنده -على سبيل الفرض- عمارة قد بدأ بإنشائها، وإصلاحها أصبح ينظر إليها صباحاً مساءً، ويدير فيها النظر، وكأنه يقول: يا أسفاه على ما ضاع في بنائها، وهو يظن أنه لا يكملها، إذاً همه مربوط بهذه الأشياء المادية.