أولاً: أخي المغترب، أختي المغتربة: كم تحملت في إقامتك في هذا البلد الذي يقوم نفوذه على غير أساس الإسلام، وتقوم قوانينه على غير هذا الأساس، وتقوم علاقاته على مثل ذلك! فأنت تواجه مشكلةً في كل لحظة، مشكلة في أداء الصلاة، ومشكلة في أداء الجمعة، ومشكلة في قضية التعليم، وفي العلاج، والسفر، والزوجة، والأطفال، والدراسة، وفي الأكل والشرب والصيام، وفي معظم تفاصيل الحياة.
إن الذي يعيش في مثل هذه المجتمعات التي تقوم على أساس الكفر، ويشيد بنيانها عليه، يشعر فعلاً بالمعنى الشرعي لتلك النصوص التي تطالب المسلم بالهجرة إلى بلد الإسلام متى وجد، ويفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين} رواه النسائي وسنده صحيح وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود وأحمد وغيرهما من حديث سمرة {من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله} أي: اجتمع معه وساكنه وآكله وشاربه وخالطه دون حاجة فإنه مثله.
إن ذلك يؤكد على أهمية المجتمع في التأثير على أفراده وتسهيل مهماتهم أو تعقيدها، هذه التقاليد الجسيمة التي تواجهها أخي المغترب، وأنتِ أختي المغتربة لماذا احتملتم هذا كله؟ قد يكون الإنسان أحياناً ملزماً بذلك لا خيار له فيه، فالشخص الذي فر بدينه من بلد يضطهد فيه المسلمون، وما أكثر البلاد التي يضطهد فيها المسلمون اليوم! حتى من تلك البلاد التي تسكنها غالبية مسلمة، ومثل هذا الإنسان الذي فر بدينه لا خيار له في كثيرٍ من الأحيان.
ويؤسفني أن أقول: إن كثيراً من المسلمين يجدون التسهيلات في البلاد الغربية الكافرة في الإقامة وتوفير الخدمات، بل ومنح الرواتب، وما يسمى ببدل البطالة، وتسهيل المهمة للأطفال، بل وإعطائهم الجنسيات بكل سهولة، وهذا ما نجده حصل للمسلمين الذين خرجوا من المجاعة في الصومال، أو خرجوا من التعذيب والاضطهاد في كثير من البلاد، أما بلاد الإسلام فقلما تستقبل مثل هؤلاء، فمثل هؤلاء الملزمون بذلك الفارون بدينهم لا خيار لهم، لكن قد يوجد أيضاً فئة أخرى تكون محتاجة للمجيء، لا على سبيل الضرورة والإلزام، وإنما للحاجة والمصلحة الظاهرة والدراسة في بعض التخصصات التي يحتاجها المسلمون في بلادهم ولا تتوفر هناك، أو العلاج الذي لا يتوفر في بعض البلاد الإسلامية، أو ما شابه ذلك من الحاجات التي تدعو إلى هذا.
هناك فئة ثالثة قد تكون جاءت بإرادتها المحضة واستقرت هناك، أي هنا عندكم دون أي ضغط أو إكراه أو ضرورة أو حتى حاجة، ومثل هؤلاء لا شك أنه يخشى عليهم من الضرر العظيم، ومن الوعيد النبوي السابق الذكر: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين} {من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله} .
إن المسلم ينبغي أن يكون في مجتمع على أقل تقدير تظهر فيه شعائر الإسلام أو بعضها، فالأذان مثلاً يرتفع، ويسمع نداءه ودويه في تلك البلاد، أو ظهور شهر رمضان، وكون المجتمع في جملته صائماً، هذا مع أنني لا أقلل أبداً من الآثار العظيمة للتغريب والعلمنة التي أثرت في بلاد المسلمين كثيراً حتى كاد الإسلام أن يندرس في بعضهم، ولا تعرف من آثار الإسلام إلا الأذان، وإلا منائر المساجد الشاهقة في عدد من البلاد والعواصم وبعض آثار مشابهة.
إذاً القضية أو النصيحة الأولى: إن وجود الإنسان في هذه البلدة إذا كان لضرورة لا خيار له فيه أو كان لحاجة كدراسة أو علاج أو ما شابه ذلك فلا اعتراض.
أما إن أتى الإنسان برغبته المحضة واختياره الذاتي، دون ضغط أو ضرورة فعليه أن يراجع حاله ويرتب أموره بشكل صحيح.