كيف نواجه التعصب المذهبي

إذاً نحن أمام منهجين أو طريقين: المنهج الأول: الذي يدعو إلى تحطيم المذاهب، والقضاء عليها، وإعلان الحرب جملةً وتفصيلاً، من دون تمييز، وهذا المنهج قد ينجح في إخراج بعضهم من المذاهب، ولكنه ينجح -أيضاً- في غرس عداوات عند آخرين.

المنهج الثاني: هو الذي يقول: لا نحارب المذهب باسمه ضرورة، لأن الاسم المجرد مباح، ولكننا نحارب اتباع أقوال الأئمة، وترك الكتاب والسنة، أو اتباع قول فلان إذا تبين أنه مخالف للدليل، وهكذا هذا المثال يمكن أن نطبقه بالنسبة لوسائل الإصلاح والتغيير، والدعوة الموجودة اليوم، فمن الممكن -مثلاً- إعلان الحرب على مناهجها المختلفة، بالنظر إلى ماذا؟ بالنظر إلى الحزبيات القائمة والموجودة، التي أقول: إنها تعصف بشباب هذه الأمة كالإعصار، وتشق صفوفهم، وتمزق وحدتهم، وتوغر قلوب بعضهم على بعض، وكذلك النظر إلى الأخطاء الموروثة، التي تتكرر مرة بعد مرة، والنظر إلى التجارب الفاشلة الموجودة هناك وهناك، وفي بلاد كثيرة.

إذاً من الممكن أن ينظر إنسان إلى هذه السلبيات، فيعلن الحرب عليها كلها جميعاً، وهذا منهج في مواجهة هذا الواقع وهناك منهج آخر، يستطيع أن يميز في هذه المناهج، والطرائق، ووسائل الدعوة، بين الحلال والحرام، وبين النافع والضار، فيشيد بالنافع والمباح، أو المشروع، ويثني عليه، ويمنع الضار، أو المحرم، وينكره، ويدعو إلى تركه ومباعدته، بالأسلوب الحسن، بقدر المستطاع، فإن الحرام لا يجامل فيه أحد، لا يجامل أحد في الحرام، بل يجب النهي عنه بدليله، وما عند الله تعالى لا ينال بمعصيته أبداً، فلا يمكن أن تكون الدعوة بوسيلة محرمة أبداً، ولا يمكن أن يكون الأمر بالمعروف أوالجهاد بأسلوب لا يحله الله تعالى ولا رسوله، بل الله تعالى يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، تعني بعلم وبمعرفة، معرفة بالحلال والحرام، ومعرفة بنصوص الشرع.

ويقول الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] فقال: ادع إلى سبيل ربك، فلا بد أن تعرف سبيل الله، وسبيل الله هو دينه، هو منهجه، هو طريقته التي أمر بها عباده، ولا يمكن أن يدعو إليها إنسان وهو لا يعرفها.

إذاً لا بد أن يعرف الإنسان الحرام، فينهى عنه ويحذر منه، ولا يجوز أن يفعل الإنسان الحرام، حتى ولو كان بنية صالحة، فإن النية الصالحة لا تقلب الحرام إلى حلال بحال من الأحوال، بل يبقى الحرام حراماً، والنية أمرها عند الله تعالى، نحن ليس لنا علاقة بقلبك، علاقتنا بعملك هذا، أنه حرام، ولا يجوز، قال الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما نيتك وقصدك فنحن منه براء، لا ندري منه شيئاً، وأنت أمرك إلى الله عز وجل.

الحرام إذاً هو ما حرمه الله تعالى ورسوله، إما بنهي صريح لا صارف له، أو وعيد على فاعله، أو ما أشبه ذلك، سواء أكان من صغائر الذنوب، أم من كبائرها، فما كان حراماً فلا يجوز أن نتذرع به إلى دعوة، ولا إلى علم، ولا إلى جهاد، ولا إلى أمر، ولا إلى نهي، أما ما لا يدخل في دائرة الحرام، ولكننا لم نعجب به، أو لا نراه، أو لا يتفق مع قناعات ذاتية موجودة عندنا، أو لا يتفق مع تربية تَربَّيَنا عليها، أو لا يتفق مع ما تلقيناه، فهذا من الممكن أن نتركه، وندعه ولا نستخدمه، ونعرض عنه، لكننا لا نحتسب على فاعله بالإنكار والعيب والذنب، ما دام أننا لا نستطيع أن نقول: إنه حرام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015