والملحوظ أن معنى الكلمة، كلمة المنهاج، سواء أفي الآية الكريمة أم الحديث أو غيرهما، جاء معنىً عاماً غير محدد، فهو يعني الطريقة أو السنة، أو السبيل، أو ما أشبه ذلك من المعاني، إذاً فكلمة المنهج أو المنهاج، هي كلمة عامة مجملة، وهي تكتسب معناها بحسب ما تضاف إليه، فحين نقول مثلاً منهاج النبوة، نعني به طريقة النبوة في الحكم والسياسية، كما جاء في الحديث، وحين نقول منهاج السنة، كما في كتاب ابن تيمية رحمه الله تعالى منهاج السنة النبوية في نقد كلام الشيعة والقدرية فإن المقصود الطريقة الواردة في السنة، في أبواب الاعتقاد كلها، في أبواب الإيمان، في أبواب أسماء الله تعالى وصفاته، في أبواب الصحابة رضي الله عنهم، في النبوات، في الإيمان باليوم الآخر، في الجنة والنار، وما أشبه ذلك من أبواب الاعتقاد المفصلة المعروفة، والمقصود بها -أيضاً- المخالفة لما عليه أهل البدع، من الرافضة والمعتزلة والقدرية، وغيرهم، الذين تنكبوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه، وخالفوا ما كانوا عليه.
ولهذا كان العلماء يؤلفون كتباً يسمونها كتب السنة، كما في كتاب السنة للإمام اللالكائي، ولـ ابن نصر المروزي، ولـ عبد الله بن أحمد، وللأثرم، ولـ ابن أبي زمنين وغيرهم، ويقصدون بها تدوين أبواب الاعتقاد، التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتي خالف فيها المخالفون، الذين غيروا وبدلوا.
وهكذا حين نقول: منهاج فلان من الناس، فإن المقصود طريقته وقواعده وأسسه، التي صار عليها في مصنفاته، أو في علمه أو دعوته، فحين نقول: -مثلاً- منهاج الإمام الطبري في التفسير، نفصد بها الأسس التي صار عليها الطبري في تفسيره كتاب الله تعالى، وفي تأليف كتابه العظيم المعروف في ذلك، من الأخذ من القرآن ومن الحديث، ومن أقوال السلف، والسياق بالإسناد، واختيار الراجح، وما أشبه ذلك من القواعد الأساسية الكلية التي صار عليها، وهكذا حين نقول: المنهج الدراسي، أو المنهاج المدرسي، نقصد به المقررات التي يراد من الطلاب أن يدرسوها، في مكان أو زمان، أو مدرسة أو مستوى معين.
إذاً كلمة المنهج كلمة عامة، تكتسب معناها بحسب ما تضاف إليه، بل إن هذه الكلمة قد تستخدم في الخير أو في الشر، فأنت تقول: هذا منهج الصالحين، وهذا منهج الضالين، ولهذا قال الشاعر:- أمامك فانظر أي نهجيك تنهجُ طريقان شيء مستقيم وأعوجٌ ألا أيها الناس طال ضريركم لآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا إذاً فهو يقول: طريقان ومنهجان، منهج الحق ومنهج الباطل، منهج الهُدى ومنهج الضلال، ومنهج الخطأ ومنهج الصواب، منهج الإيمان ومنهج الكفر، ومنهج التقوى ومنهج الفجور، فكلاهما يسمى منهجاً، وبهذا ندرك أن هذه الكلمة كلمة عامة، تكتسب المعنى بحسب ما تضاف إليه، فإذا قلنا: منهج السلف، كما هو ظاهر في العنوان، فالمقصود الطريقة التي كان عليها السلف رضي الله عنهم، لكن في ماذا؟ في كل شيء، منهجهم رضي الله عنهم في الاعتقاد، في أبواب الإيمان بالله، والأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، منهج السلف الصالح في الإيمان بالدار الآخرة، منهج السلف الصالح في الصحابة، وفي الخلق والسلوك، والعبادة، وفي التعليم، وفي الجهاد، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المقصود به حينئذٍ المنهج والطريقة العامة، التي تحكم كل شئون الحياة، ولا تغادر منها صغيرة ولا كبيرة، ولا تترك منها شاذة ولا فاذة، فإن السلف الصالح رضي الله عنهم كان منهم من يعقدون مجالس العلم في المساجد، ومنهم من يذهبون إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مجالات الحياة، ويحتسبون على الصغير والكبير، وكان منهم من يذهبون إلى ميادين القتال، ويجاهدون في سبيل الله، ويرابطون على الثغور، وكانوا جميعاً مثلاً أعلى، في أخلاقهم مع أهلهم، وفي تعليمهم، وفي عبادتهم، وفي تقواهم وإخلاصهم، وفي دعوتهم إلى الله، في كل أعمال الخير، فهذا هو المنهج الذي كانوا عليه.