Q ما رأيكم أن تقصر المحاضرة على توجيه المسلمين إلى الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق، والمبادرة إلى أداء الفرائض، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون تلميح أو تصريح بحق المسئولين؛ لأن ذلك قد يشوه ويجسد ويثير الفتن، وبالتالي يُوقَفُ المصلحون ويفقد الناس الإصلاح لا سمح الله؟
صلى الله عليه وسلم يا أخي هذا عجيب! نحن ندعو إلى الإسلام، والإسلام ليس مقصوراً على ما ذكرت من توجيه المسلمين إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ذكرت، يتطلب الأمر بالمعروف ولو كان مغفولاً عنه، وذكر النهي عن المنكر ولو كان مفعولاً -مثلاً- فمن هو الذي يعتبر أن الكلام عن الربا أنه من إثارة الفتن؟ أو أنه فيه تعريضاً أو تصريحاً؟ أبداً، لا يجوز السكوت على مثل هذه المنكرات المعلنة، بل يجب أن يتكلم عنها، وما أدري ما هي هذه الحساسية عند بعض الناس وبعض الإخوان هداهم الله.
فكلما حصل شيء قالوا: تثور الفتن، وكأن الأمة جاهزة ما بقي عليها إلا أن يتكلم فلان حتى تثور فتنة تأتي على الأخضر واليابس، ولا تبقي ولا تذر، لماذا هذه الحساسية؟ نحن نجد أن بلاد الدنيا كلها من شرقها إلى غربها يتكلم فيها أناس بما يشاءون، وبما يريدون، من قريب أو من بعيد، وما ثارت فتن، وما رأوا إلا كل خير.
ولعلي أذكر لك مثالاً واحداً يا أخي، ففي بلاد كثيرة بل كل بلاد الدنيا، قد يقوم شخص كبير ربما يكون أكبر مسئول يتكلم، ويخطب في ألوف، أو عشرات الألوف، فيتكلم عليه بصوت مرتفع واحد من الجماهير، فيسكت المسئول وينتظر هذا الإنسان، ويأتي هذا الإنسان يتخطى الصفوف حتى يصل فإذا وصل وجدوا أنه شخص معتوه!! فأبعدوه ثم واصل ذاك الإنسان حديثه وخطبته.
فمثل هذه الأنماط وهذه النماذج، لماذا في بلاد العالم كله تكون أموراً جارية وقائمة ولم تحدث فتناً؟ بل بالعكس هم أكثر استقراراً، وأكثر أماناً، وأكثر رفاهية من غيرهم، في حين أنه في بلاد الإسلام دائماً وأبداً نقال: لا تقل شيئاً حتى لا تثور فتنة.
لا بد أن نحدد ما هي الفتنة؟ وما معنى الفتنة؟ ومتى تثور الفتنة؟ وإلى متى نظل نعاني من هذه العقد النفسية؟ وهذه المخاوف الوهمية؟ فإن شئت أن تنظر في الواقع فهذا الواقع ذكرناه لك، ويعرفه الجميع، بل في العالم كله صحف، وإذاعات، ومحطات تلفزة، ومؤسسات، بل وأحزاب قائمة همها معارضة الجهات الحاكمة في كل بلاد الدنيا، ولم تحصل فتن.
هذا هو الواقع، وإذا أردت أن تنظر إلى التأريخ فقد حدثناك قبل أيام، أو أسابيع عن تأريخ المسلمين، وأن الخليفة الأعظم يقف على المنبر ويقول: اسمعوا وأطيعوا، فيقوم فرد من الرعية ويقول: لا سمع ولا طاعة.
ويناقشه في الأمور على مرأى ومسمع من الناس، وكانوا أكثر تديناً، وصلاحاً، واستقامة، ووعياً، وعقلاً منا.
فلماذا نظل نحن دائماً وأبداً نخاف من كل شيء؟! إن أمر إنسان بمعروف، أو نهى عن منكر، أو وجّه، أو أصلح، أو انتقد، قيل: تثور فتنة! فما رأينا إلا الخير، ولا يحصل إن شاء الله إلا الخير، والفتن إنما تثور إذا سكت الناس، وبدأت تغلي في قلوبهم مشاعر الكراهية، والبغضاء، والحقد، ثم لا يُتَنَفَّس عنها، هذا هو الذي يثير الفتنة، ويجعل الناس جاهزين لكل طالب فتنة، أو صاحب فتنة أن يسيروا وراءه حتى ولو كان على باطل.
أما إذا تُحدِّث مع الناس بقال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُمروا بالمعروف، ونُهوا عن المنكر، حتى لو كان هذا المعروف متروكاً، أو كان هذا المنكر مفعولاً ولو على مستوى رسمي فإن هذا لا يحدث الفتن إنما هذا هو الخير.
وبشكل عام أنصحك يا أخي، وأنصح من يذهبون مذهبك، ويرون رأيك: ألا يحكموا آراءهم في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم أن يقرءوا في القرآن وفي السنة وينظروا بماذا أمر الله؟ وبماذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فإذا وجدوا أن في القرآن والسنة، أو في سيرة القرون المفضلة ما يشهد لهم، ويدل على أنه يجب أن يسكت الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، والداعون إلى الإصلاح ولو علانية، إذا وجدوا هذا فحبذا.
أما إذا وجدوا أن هذه مجرد آراءً فردية، ومجرد عقد ومخاوف نفسية ناتجة من أناس ربما ليس لهم اطلاع على التاريخ ولا معرفة بالواقع، فحينئذٍ ليعذرونا إذا لم نستجب لهم أو نلتفت إلى أقوالهم.