النقد البناء

فالنقد البناء -أيها الإخوة- ضرورة للفرد، والمجتمع، والجماعة، والأمة، ومن قبل تحدثت في درس بعنوان: لماذا نخاف من النقد؟! فلسنا نريد أن يمارس الإنسان -صحفياً، أو خطيباً، أو متحدثاً- لسنا نريد منه أن يمارس فقط دور الإعلام الرسمي الذي تنتهي مهمته عند حد التطبيل الفارغ، ومدح المنجزات الوهمية، وطمس الحقائق وحجبها عن الأمة، بل نحن نريد أن يمارس دوره في النقد البناء، لكن وفق الضوابط والأصول الشرعية البعيدة عن التشنج، والتجريح، والسباب، والشتائم، وغير ذلك والتي تجعل مصلحة الأمة العليا نصب عينيها فيما تقوم به من نقد بناء هادف.

وإن من النقد: نقد المجتمع بكل مؤسساته، بدءاً من المؤسسات العليا الحاكمة المتنفذة، ومروراً بالمؤسسات الحكومية والشعبية، وانتهاءً بالمواطن العادي، فالمواطن يحتاج إلى من يوجهه ويرشده، كما يحتاج إلى من يدافع عن حقوقه المعيشية والإنسانية، ويحتاج إلى من ينتزع له لقمة الخبز من أفواه اللصوص الكبار الذين لا تطالهم يد القانون في كثير من الأحيان، بل ربما كانوا أحياناً هم القانون نفسه، أولئك الذين يجري في عروقهم الدم المقدس في زعمهم!! والذين استعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهامتهم أحراراً!! أيها الأحبة: إن الصحافة تفقد مصداقيتها حين تكون صحافة مجاملة، همها التربيت على أكتاف الحكام، والتصفيق للمعتدين على أعراض الناس، وحرياتهم، وممتلكاتهم، وحقوقهم، فالصحافة هي نَفَس الإنسان، ويفترض أن تكون تعبيراً حقيقياً عن مشاكله، وهمومه، وطموحاته، وآماله، وآلامه، وتطلعاته أما أن تمارس الصحافة دورها بشكل مقلوب، فهذه هي النكسة العظمى، والإجحاف الكبير بحق الأمة، وهذا هو التنكر للرسالة التي كان يجب على الصحافة أن تحملها.

إننا ننتظر من الصحافة بجميع مؤسساتها أن تكون مدافعاً شجاعاً عن مصالح المجتمع، وأن تكون منبراً حراً لصوت الحق، وأن تكون أداة فعالة لبناء الأمة، بناءً عقائدياً يحفظ للأمة استقلالها في وجه عواصف التغيير، ويمنحها الثقة بذاتها، وتأريخها، ومستقبلها، وشخصيتها المستقلة، وفي الوقت نفسه ننتظر من الصحافة أن تكون مجالاً صالحاً للنقد البناء الهادف النزيه مهما يكن هذا النقد مراً على النفوس، فهذا هو العهد المأخوذ على خير القرون كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: فيما أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: [[وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم]] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015