وكذلك من الأمانات الخاصة الأمانة الملقاة على عاتق الوزير، والمسئول، والأمير، وغيرهم: القيام بأعمالهم، واختيار الأكفاء والصالحين، وتوليتهم للمناصب والمهمات، وكذلك مراقبتهم ومعرفة ما أخطئوا، ومحاسبتهم على ما يفعلون، بحيث لا يظلمون الناس، وعليهم أن يعرفوا بأنهم ما وضعوا على الناس ليضربوا أبشارهم، ولا ليأخذوا أموالهم، ولا ليستأثروا من دونهم، ولا ليسيئوا إليهم، ولكن كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (إني لم أبعث عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، وإنما بعثتهم إليكم ليعلموكم دينكم، وليقسموا فيكم فيئكم) هذه هي الولاية، وهذه هي المناصب في الإسلام، ليعلموكم دينكم وليقسموا فيكم فيئكم، وهو الأموال التي أفاءها الله تعالى على المسلمين.
وإذا حدث من مسئول -كَبُرَ أو صَغُر- خطأ ما، وجب محاسبته وردعه.
عندما فتح المسلمون مصر كان الفاتح عمرو بن العاص رضي الله عنه وكان له ولد اسمه محمد، فتسابق محمد بن عمرو بن العاص أمير مصر، تسابق مع رجل من الأقباط فسبقه، فقام محمد بن عمرو بن العاص فضرب القبطي ضربة بيده أو بسوطه، فخرج هذا القبطي من مصر إلى المدينة المنورة حتى دخل على أمير المؤمنين، فشكى له الحال، فأرسل عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وأمره أن يأتي ويأتي ابنه معه وحاكمهم حتى ثبت الحق للقبطي، فأخذ عمر من محمد بن أمير مصر الحق لهذا القبطي، ووبخ عمرو بن العاص وقال له: [[يا بن العاص! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!]] لم يمنعه كون أبيه أميراً أن يأخذ الحق منه، فبالعدل والحق قامت السماوات والأرض.
وكذلك من الطرائف والقصص العجيبة، ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ولى رجلاً على إحدى مدن العراق، فكان هذا الرجل شاعراً يحب الشعر، ففي أحد الأيام كان يتغنى بأبيات من الشعر ويقول: ألا هل أتى سلمى بأن حليلها بنعمان يسقى في زجاج وحنتم يعني زوجته، يقول: إن زوجها -وهو يعني نفسه- يُسقى الخمر في كئوس وقوارير.
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتفلم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم يعني: أنه يتغنى بشرب الخمر ويقول لعل عمر بن الخطاب لو علم بذلك لحزن وساءه ذلك، فوصلت الأبيات إلى عمر رضي الله عنه فهز رأسه وقال: [[نعم والله إنه ليسوئني ذلك، ثم قال للمسلمين: من رأى هذا الرجل فليخبره أني قد عزلته، فعزل الرجل وجاء إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وقال له: والله يا أمير المؤمنين ما شربت الخمر قط، ولكنها أبيات قلتها أتغنى بها، فقال له عمر: فإنا قد عزلناك، ووالله لا تلي لنا عملاً أبدا]] هكذا كان عمر رضي الله عنه يعامل ولاته ومن أقامهم على شئون المسلمين إذا حدث منهم من الفعل أو من القول ما يتنافى مع المهمة التي وكلوا إليها.