الطريقة السليمة في تغيير المنكر

الدور الثاني الذي يقوم به العالم هو: أنه قد يوجه الإنسان إلى تغيير المنكر بالطريقة السليمة؛ وذلك لأن العلماء السابقين كالإمام الجويني والغزالي وابن تيمية وغيرهم من أهل العلم، حين تحدثوا عن إنكار المنكر، واستخدام القوة في تغيير المنكر، قالوا: إنه لا بد أن يضبط ذلك بالحكمة وبالمصلحة، من يقدر المصلحة؟ أنا وأنت قد يبدو لنا مصلحة عابرة ونؤثرها، ونغفل عن مصلحة أخرى، أو مفسدة كبيرة، لكنها ليست قريبة، بل تحدث بعد ذلك، ولذلك فإنه لا ضابط لهذا الأمر إلا أن تربطه بأهل العلم، فتقول: ليس من حق أي فرد شاباً كان أو غيره، أن يقوم بتغيير المنكر بالقوة ما دام ليس بجهة رسمية، إلا بعد إذن العلماء المعتبرين، الذين أطبقت الأمة على الأخذ عنهم، من علماء أهل السنة والجماعة.

فهم الذين يقدرون المصلحة، أما كون بعض المخلصين في بعض البلاد الإسلامية سمعوا أنه في بلد معين حفل غنائي يقام، فقاموا وقالوا: لا بد أن نوقف هذا الحفل، وقاموا بالقوة واقتحموا وكسروا!! فعلاً نجحوا في تأخير الحفل، فبدلاً من أن يقام اليوم، أقيم بعد أسبوع، لكن الحفل أقيم، والمنكر ما زال، لكن وقع في مقابل ذلك مفاسد عظيمة، من التضييق على أهل الخير، وسد الأبواب عليهم، وتشويه صورتهم، وإيذائهم وسجنهم وتشريدهم، وإحداث شرطة خاصة بمثل هذه الأعمال، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخفى عليكم، فمسألة تقدير المصلحة أصبحت خاضعة لاندفاعات بعض المخلصين، والإخلاص وحده لا يكفي، بل لا بد مع الإخلاص من بعد النظر، وسعة الأفق، وتقدير المصالح والمفاسد بصورة حقيقية.

ولذلك فإن دور العلماء أن يضبطوا هذه الحركة، فلا يأذنوا لأي إنسان غيور أن يقوم بالتغيير بالقوة بمجرد قناعته بأن هذا منكر لا بد أن يزول، وبالتالي يبقى المنكر، ويزول هذا الإنسان ويذهب، كما قال ابن خلدون: مأزوراً غير مأجور؛ لأنه ما عرف الطريق الصحيح في التغيير والإصلاح، لا تتخلى عن العالم، تقول: العالم ما أنكر! لا، اجعل نفسك حول العالم، بحيث يكون للعالم قوة، ويتحدث من مركز، في نفس الوقت أنت محكوم بقول الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] والعلماء نصوا على: أن الإنسان يجب عليه أن يغير المنكر إذا أمن الضرر على نفسه، فإذا كان في ذلك ضرر على نفسك، لم يجب عليك الإنكار، فكيف إذا كان في ذلك ضرر على الناس! أحياناً قد تغير المنكر ويترتب على تغييرك منكر أعظم منه.

وليست المشكلة ضرر على الإنسان نفسه؛ قد يقول الإنسان: أنا أتحمل الضرر ولا أبالي، وفي سبيل الله، لكن قدِّر هل سيترتب على هذا التغيير ضرر لغيرك، ومفاسد على الصالحين وعلى الدعاة وعلى العلماء وعلى الغيورين؟ فحينئذ يجب أن تتوقف، وبعض الشر أهون من بعض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015