التميز الأول: أنه لا يوجد في أمة من الأمم، من العظماء والعلماء، مثلما يوجد في الأمة الإسلامية، لا من حيث الكيف ولا من حيث الكم، فأما من حيث الكم فمن يستطيع أن يجمع لنا في أي أمة، مهما عظمت، وكثرت، وامتدت من الفرس والرومان، والصين والهند وغيرهم، أن يجمع لنا من الأسماء اللامعة عبر التاريخ مثلما حفلت به هذه الأمة، يقول أحد المستشرقين الألمان: إن علم الجرح والتعديل -وهذا مثال- يترجم لخمسمائة ألف إنسان في هذه الأمة، وهذا علم لا يوجد في أي أمة من الأمم الأخرى، فالأسماء اللامعة توجد في هذه الأمة بشكل لا نظير له عند الأمم الأخرى، وكل من له ذكر، حتى في إسناد حديث، حفظت الأمة اسمه وترجمته، ومدى دقته في الحفظ وسلوكه، إلى غير ذلك، فما بالك بالعلماء والعظماء والدعاة والصالحين والمجاهدين وغيرهم! ولو أردنا أن نعد على سبيل الأمثلة لطال بنا المقام، لكن انظر مثلاً، الخلفاء الراشدون، العشرة المبشرون، بالجنة أهل بدر، أهل بيعة الرضوان، السابقون، ثم انظر إلى جماهير من التابعين، انظر للأئمة الأربعة، باعتبارهم ممن أطبقت الأمة على الاقتداء بهم، الأئمة الستة، أصحاب الكتب الستة في السنة، انظر إلى علماء الأمة الذين أتوا بعد ذلك كـ ابن تيمية وابن القيم وابن حجر والعراقي والعز بن عبد السلام، ثم انظر إلى الذين أتوا في آخر هذه الأمة من المجددين، والعلماء والمفكرين والمصلحين، كالإمام محمد بن عبد الوهاب، ونذير حسين، من الذين جاءوا بعدهم أيضاً رشيد رضا، ثم طبقة أخيرة كالشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ الألباني، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ الهلالي، إلى غير ذلك من علماء هذه الجزيرة، ومن علماء الهند، ومن علماء المغرب، ومن علماء الشام، ومصر وغيرها، من الذين ساروا على منهج السلف الصالح واقتدوا بهم، وحاذروا الوقوع في البدع الاعتقادية والعملية، فتجد عندك من ذلك جمعاً غفيراً لا يكاد يأتي عليه الحصر والعد.
أما من حيث الكيف؛ فهو أيضاً أمر لا عهد للأمم به، وأنتم لو كتب لكم أن تقرأوا بعض تراجم لمن يسمون بالعظماء عند الأمم الأخرى، لوجدت الواحد منهم قد يكون بارزاً في مجال، ولكنك قد تجده في المجالات الأخرى في الحضيض، ولو قرأتم بعض سير العظماء الأوروبيين وغيرهم، لوجدتم بعض العظماء عندهم وفي نظرهم، قد تجدونه شاذاً في النواحي الأخلاقية، في سلوكه، في معاملته، في بيته، ولهم في ذلك قصص وطرائف وأعاجيب يضحك منها الإنسان العادي عندنا نحن المسلمين.
ومع ذلك يصفقون لهم ويهللون، ويملئون الدنيا بذكرهم، حتى أصبح كثير من ذرية المسلمين يعرفون عن أعلام الغرب ما لا يعرفون عن أعلام الإسلام، مع أن أولئك الأعلام في نظر الغربيين لا يستحقون أن يقرنوا بوجه من الوجوه بالمسلم، ولذلك فإنني أعتب على ذلك الشاعر الذي يقول: عمر بن الخطاب أفضل من لينين مليون مرة أو يزيد، من يقرن عمر بن الخطاب بـ لينين ولا مليون مرة ولا أكثر، من يقرن أصحاب الجنة بأصحاب النار؟ قال تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] من يقرن الأبطال الذين لا زالت الدنيا تحتفل بآثارهم وتفرح بتراثهم وتعيش على ما نقلوه لها من الهدى والعلم، بأولئك القمامات الذين لا زالت الدنيا تشقى في بلاد كثيرة بفكرهم الملوث، وآثارهم الرديئة، ومخلفاتهم العفنة، لا مقارنة بين هؤلاء وهؤلاء، هذا جانب من جوانب التميز التي تميزت بها الأمة الإسلامية عن أمم الدنيا كلها، من حيث العظماء كماً وكيفاً.