التقدير للعلم والدين لا للأشخاص

الجانب الآخر من جوانب التميز، أن الأمة الإسلامية حين تقدر علماءها لا تقدرهم لأشخاصهم، وإنما تقدرهم لهذا العلم والدين والهدي الذي حملوه، ولذلك فإن الولاء الحقيقي عند المسلمين ليس للشخص، بل للعلم الذي يحمله، والدين الذي يبلغه، والهدى الذي ينشره، ولذلك تجد أن المسلمين حين يقع من عالم -كائناً من كان- خطأ ويقول جماهير العلماء من حوله أنه أخطأ، فإن هذه الأمة لا تتمسك بهذا الخطأ لأن فلان قاله، بل تعرف أن تقول لهذا العالم: إنك هاهنا أخطأت، وخطؤك هذا لا ينزل قدرك عندنا، ولا يحط مرتبتك، فإنه ليس في ميزاننا نحن المسلمين إما (100%) أو صفر، عندنا الولاء للحق، فنحن نعرف الرجال بالحق، ولا نعرف الحق بالرجال، وحين يقع خطأ معروف مشهور من عالم مهما كان قدره، وتقول العلماء كافة: فلان أخطأ، يقول خلفهم المسلمون: فلان أخطأ، وهذا الخطأ عثرة ينهض منها، ولا يحط من قدره، ولا يوجب أن يسقط مكانه ومنزلته عند الأمة، كما أنه لا يوجب أن يتابع في خطئه الذي وقع فيه، ولا زالت الأمة تسمع أنه ينبه على خطأ الرجال، فيقال: فلان أخطأ في هذه المسألة، وفلان أخطأ في هذه المسألة، وهذا لا يضر: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاًُ أن تعد معايبه ولذلك أيضاً كان الإمام مالك يقول: لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشاذ من العلم ويقول آخر: لو أنك تتبعت شذوذات العلماء لاجتمع فيك الشر كله، ومن قبل كان عمر بن الخطاب يقول: كما في حديث عمران بن حدير: {أتدري ما يهدم الإسلام؟ قال: لا، قال: يهدم الإسلام ثلاث: زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين} فكان السلف يحذرون من زلة العالم، يحذرون من التحذير المعتدل، الذي يحتاج إلى أن يفقهه الخلف من بعدهم، فيدرك أن الأمة الإسلامية ضمن ولائها وتقديرها للعلماء إنما تواليهم للعلم الذي يحملوه، فإذا أخطأ الواحد منهم لم تجد نفسها محتاجة إلى أن تتابعه في الخطأ، كما أنها ليست محتاجة إلى أن ترفضه لأنه أخطأ، إن الذي لا يخطئ هو النبي عليه الصلاة والسلام، أما من عداه فإنهم يخطئون، ونحن نعرف أننا لو رفضنا كل إنسان لأنه أخطأ خطأ أو عشرة أو مائة، لوجدنا أننا بلا قيادات وبلا زعامات وبلا شخصيات، حتى الصحابة رضي الله عنهم؛ نعرف أنهم اختلفوا في مسائل كثيرة، وخطَّأ بعضهم بعضاً في مسائل كثيرة، والعلماء من بعدهم قالوا: الصواب في المسألة الفلانية مع فلان، والراجح في المسألة الفلانية مع فلان، وهذا لا يعني الحط من قدر فلان، بل هو مجتهد له أجر الاجتهاد، وغيره مجتهد له أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة.

فهذه لا بد من فقهها -ووعيها أيها الإخوان- لئلا تطيش الموازين عندنا، إن من المشكلات أن من الناس -من المسلمين- من يعتبر أنه خَلْفَ هذا العالم، على طول الطريق: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد إن أصاب أصبنا وإن أخطأ أخطأنا، وهذا منهج جاهلي، وفي المقابل تجد أن هناك من يعالج هذا الخطأ بخطأ آخر، فإذا وقع من عالم زلة أو غلط أو سقطة أو ثنتان أو ثلاث سقط من عينه، وأصبح يتحدث فيه، ولا يعتبره شيئاً، وربما أكثر من ذكر هذه الغلطة والسقطة، ومن هو الذي لا يغلط، سبحان الله! الميزان في نفس المسلم الفقيه معتدل، هذا تميز آخر يتميز به المسلم عن غيره من الأمم الأخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015