وعموماً فكلمة لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة ولكنها صياغة كاملة للحياة: حياة الفرد والجماعة من الميلاد والوجود إلى العدم والوفاة، وليست مجرد شعار يرفع سواء أكان مكتوباً أو مقروءاً، ولكنها حقيقة، والذين يهاجمون المسلمين اليوم ويهاجمون دعاة الإسلام بحجة أنهم يرفعون الشعارات، يعلمون جيداً أن الذين يرفعون الشعارات هم أولئك الحكام الذين وعدوا شعوبهم بجنان الدنيا، ووعدوا شعوبهم بالرفاهية، وبالوحدة، وبالنصر على الأعداء، ثم تبخرت هذه الوعود.
صارت مواعيد عرقوب لهم مثلاً وما مواعيدها إلا الأباطيل وحينئذٍ عرفت الشعوب من هم الذين يحملون الحقيقة، ومن هم الذين يتبنون قضاياها، ومن هم الذين يدعون إلى الحق والذين يجب أن يتبعوا، فأقبلت عليهم وانجفلت إليهم، كما حدث في مصر والجزائر وتونس والأردن وجميع بلاد الإسلام بدون استثناء، وحينئذٍ سقطت الشعارات الوهمية.
أين الشعارات؟! أين المالئون بها الدنيا فَكَمْ زوَّروا بها التاريخ والكتبا فلا خيول بني حمدان راقصةٌ زهواً ولا المتنبي مالئ حلباً وقبر خالد في حمص تلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا يا رُبَّ حي رخام القبر مسكنه ورب ميتٍ على أقدامه انتصبا يا بن الوليد ألا سيف تؤجره فإن أسيافهم قد أصبحت خشبا فلا إله إلا الله ليست مغانم شخصية، ولا مطامع يسعى إلى تحصيلها الدعاة، بل هي ما ضحى الدعاة من أجله، فارقوا حياتهم وقبلوا الحياة في غياهب السجون؛ حرصاً على تحقيقها، ومن قبل لم يكن أحد من رسل الله يدعو لنفسه، قال الله عز وجل: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:80] .
لم يقم نبيٌ من الأنبياء قط يدعو الناس إلى أن يعبدوه ويجعلوه رباً من دون الله، كلا، ولا يأمرهم أن يتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً من دون الله، بل هو يأمرهم ويربيهم ويعلمهم طاعة الله تعالى وعبادته ونبذ ما سواه، يربي قلوبهم على أن النفع والضر والمنع والعطاء لا يملكه إلا الله، وأن الآجال بيد الله، وأن الإنسان لا يملك لأخيه الإنسان نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، وأن كلمة الحق لا تباعد الرزق، ولا تقرب الأجل، وأن الله تعالى هو وحده الخافض الرافع القابض الباسط الضار النافع؛ الذي مقاليد الأمور جميعها بيده.
فتمتلئ قلوبهم حباً لله، ورغبة فيما عنده، وشوقاً إليه، وخوفاً منه، ورجاءً فيه، وحينئذٍ يخرج من القلب حب المخلوقين، وتعظيم المخلوقين، والخوف من المخلوقين، فتجد أن الإنسان في قلبه جلال الله تعالى وعظمته وهيبته، فيتكلم في الحق ولا يبالي، ويقول الحق ولا يبالي، ولا يخاف في الله لومة لائم، ويصدع بما يؤمر ويعرض عن المشركين، وينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، ويدعو إلى الله في كل مكان، ويصبر ولا يقيم لهذه الدنيا وزناً، وإن كان يستمتع بها فيما أحل الله له، فهي كالمطية يستخدمها ولا يخدمها، يركبها إلى ما يكون فيه مرضاة الله تعالى والنجاة في الدار الآخرة.