فهذه الصور الساذجة من الشرك كانت تتناسب وما زالت تتناسب مع عقليات الأمم البدائية المتخلفة، ولكن للمثقفين والمتعلمين في أزمنة الحضارة وللدول الراقية ألواناً وألوناً كثيرة من الشرك، منها ما ذكرت ومنها غيره، فليست بالضرورة أن تكون الأوثان والأصنام أشجاراً أو أحجاراً أو طواطم أو غير ذلك، بل قد تكون بشراً يعبدون من دون الله تعالى، ويطاعون فيما لا يطاع فيه إلا الله، فيحللون فيطاعون، ويحرمون فيطاعون، ويأمرون بما يخالف شريعة الله، فيطاعون، ويأمرون بالباطل فيطاعون، وينهون عما أمر الله تعالى به فيطاعون، وتصرف لهم من أنواع العبادة من الحب والخوف والرجاء والرغبة والرهبة والخشية وغير ذلك، تصرف لهم بعض هذه الأنواع أو تصرف لهم كل الأنواع، ونحن لا نشك أن القوم الذين كانوا يتبعون فرعون كانوا مشركين، وليس بالضرورة أن يكون لديهم أصنام، يكفيهم هذا الصنم الأكبر (هبل) الذي هو فرعون، كيف كانوا يصرفون له أنواع العبادة، وكيف كانوا يتألهون له في قلوبهم، وقد تكون صور الشرك بطاعة بعض القوانين والأنظمة المخالفة لشريعة الله تعالى، وقد تكون بصرف الولاء والحب والبغض للكافرين والمنافقين والمعاندين إلى غير ذلك من صور الشرك التي تحتاج إلى تفصيل وبيان.