مقاومة الانحراف المتأصل

هذا الجم الغفير من أنبياء الله ورسله الذين هم ثلاثمائة وبضعة عشر، كلهم رفعوا راية الإصلاح في وسط مجتمعات سيطر عليها الفساد بكل صوره وألوانه، ولم يكتفوا بمجرد صلاح أنفسهم، فلم يكن من بينهم قط واحد رضي بأن يعيش بين قومٍ ضالين منحرفين وهو مخالفٌ لهم، أبداً إلا أن يصدع بدعوة الحق والتوحيد بين أظهرهم، ولهذا كان الراجح من أقوال أهل العلم في التفريق بين النبي والرسول: هو أن النبي من جاء مجدداً لدعوة من قبله ولم يأت بشريعة جديدة، وإلا فكلهم بعثوا دعاة لأقوامهم مجددين لدين الله عز وجل مجاهدين في سبيل الله، وهم يحملون راية الإصلاح.

والإصلاح يعني: أنك سوف تقاوم وتنكر أشياء تعارف الناس عليها وألفوها وأصبحت جزءاً من موروثهم ومن تقاليدهم ومن حياتهم، ومن عاداتهم، فأنت سوف تقاومها وتحاربها وقد تكون أشياءً متأصلة في قلوبهم وأي أمرٍ آصل وأعظم في قلوب الناس من أمر العقائد.

فإذا كان الناس في مجتمعٍ ما نشأوا منذ طفولتهم وولادتهم وتربوا وترعرعوا على عبادة أصنام (طوطم) أو شجر أو حجر أو شخص أو غير ذلك، ويظنونه إلههم ويتعبدون له، فيأتي النبي يفاجئهم بهذا الأمر الذي هو مستقرٌ في قلوبهم: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء:66-67] فينكر عليهم عبادة غير الله، ويحارب هذا الشرك المتأصل المستقر في قلوبهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015