وضع المرأة

وهذا من الأمور التي تحتاج إلى بيان، إن هناك فارقاً كبيراً فيما يتعلق بوضع المرأة، فإن المرأة بحمد الله في مجتمعنا السعودي لا تزال تحتفظ بأشياء كثيرة، منها عدم الخلوة بالأجانب، ومنها منع الاختلاط في المدارس، أو المؤسسات، أو غيرها، ومنها الحجاب كاملاً بما في ذلك تغطية الوجه، ولذلك فإن المجتمع كله بره وفاجره، مؤمنه وفاسقه، يستغرب أشد الاستغراب أن يري امرأة تمشي في الشارع، وهي كاشفةً عن وجهها، فأما الفاسق، فإنه إذا رأى هذا المشهد سارع إلى ظنه أن هذه المرأة امرأة ليست صالحة، وفيها ما فيها، فقد يعاكسها أو يؤذيها، أو يتعرض لها، وأما الصالح فإنه إذا رأى هذا المشهد ظن أن هذه المرأة أيضاً ليس لديها دينٌ صحيح، ولذلك كشفت عن وجهها، وقد تكون امرأة صالحة، ولكن عادتها أنها تكشف عن وجهها.

فأقول: أما من حيث الدليل فقد دلت أدلةٌ شرعية كثيرةٌ ذكرتها في غير هذه المناسبة على أن المرأة المؤمنة يجب عليها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، ومن الأدلة على ذلك أن أمهات المؤمنين كن يغطين وجوههن عن الرجال الأجانب حتى في حال الإحرام، مع أن المرأة حال الإحرام لا يجوز لها أن تغطي وجهها، إلا إذا كان عندها رجالٌ أجانب، ومن الأدلة على ذلك قول الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] فإن الضرب بالخمار على الجيب يعني تغطية الوجه، وإنما يسمى الخمار هو غطاء الرأس وغطاء الوجه، وحتى أهل الجاهلية كانوا يتقون أن ينكشف وجه المرأة، أو ينظر إليه حتى قال الشاعر عن امرأة: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد أي وضعت يدها أمام وجهها حتى لا يراها الناس ولا ينظرون إليها، ولذلك فإن من الخطأ أن تخرج أختٌ كويتية وهي سافرةٌ الوجه للشارع، أو تظهر أمام رجل أجنبي في المدرسة مثلاً، أو تخرج للسوق، أو غير ذلك، بل يجب أن تستعد بعباءةٍ وغطاءٍ لوجهها، وغير ذلك مما تحتاجه؛ لأن هذا أولاً كما ذكرت هو قولٌ قوي في الشرع له ما يؤيده من الأدلة، ومذهب جماعة من العلماء.

ثانياً: فإنه أمرٌ مستقر في هذه البلدة، مألوف بل غيره مما يستنكر، ويستغرب على كافة الأصعدة، فمن كانت من الأخوات مقتنعة بأن الحجاب واجبٌ شرعي فلتتحجب، ومن لم تقتنع، فإننا نقول لها: تحجبي على الأقل مراعاةً لمشاعر الآخرين، واحتراماً لعاداتهم التي جروا عليها، ونقول هذا على سبيل التنزل لهم.

ومن الأشياء المتعلقة بموضوع المرأة أيضاً: قضية الاختلاط، فإن وضع الإخوة الحالي قد يؤدي إلى اختلاط المرأة بالرجل، ونحن ندرك أن هذا الأمر قد يقود إلى فسادٍ عريض، وأين نحن من أولئك الرجال الذين كان الواحد منهم يحس بالنخوة، والشهامة فيحمي المرأة، ويحامي دونها، ولا يهم بالنظر إليها، فضلاً عما هو وراء ذلك، حتى في الجاهلية كان الناس يتقون هذا، وقد قال بعض شعرائهم: أرى دار جاري إن تغيَّب حقبةً علي حراماً بعده إن دخلتها قليل سؤالي جارتي عن شئونها إذا غاب رب البيت عنها هجرتها أليس قبيحاً أن يُخبَّر أنني إذا كان عنها شاحط الدار زرتها يرى أنه يعاب عليه أنه إذا غاب جاره جاء إلى زوجته، فيهجرها حتى يعود الزوج، ويقول حاتم الطائي: ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي تنزل القدر ما ضر جاراً لي أجاوره ألا يكون لبابه ستر أغضي إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر ومع الأسف هذا منطقُ كافرٍ، فأين منطق كثيرٍ من المسلمين؟! والثالث يقول: شرت جارتي سترا فضول لأنني جعلت جفوني ما حييت لها سترا وما جارتي إلا كأمي وإني لأحفظها سراً وأحفظها جهرا بعثت إليها أنعمي وتنعمي فلست مُحِلاً منك وجهاً ولا شعرا فبالنسبة للإخوة عليهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا ينظروا إلى ما حرم الله.

قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] وبالنسبة للأخوات: فإن على الأخت المؤمنة أن تكون مبالغةً في الحجاب، بعيدة عن التبرج بالزينة، أو الخضوع بالقول، أو فعل أي أمرٍ من شأنه أن يوهم الرجال بأن في قلبها مرض.

ومن ذلك -أيضاً- ما حُدِّثت به في هذا البلد وغيره: أن عدداً من الأخوات الكويتيات قد تخرج إلى السوق، وتقود السيارة، ولا شك أن هذه قضية غير سائغة لا شرعاً ولا عرفاً، أما من حيث الشرع فيكفي، أن هناك فتوى لجماعةٍ من كبار العلماء في المملكة بتحريم قيادة المرأة للسيارة، وحتى على فرض أن هذا التحريم لظروفٍ خاصة، فإن المجتمع يمنع ذلك، وقوانين الدولة أيضاً تمنع أن تقود المرأة السيارة، ولذلك فإنه لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تخرج أختٌ تقود السيارة، وهي تستطيع أن تقوم بشئونها بغير هذه الطريقة، فتستعين بغيرها في ذلك، فضلاً عن أن هذا الأمر قد يجر متاعب أخرى ربما لا تكون بتصور بعض الأخوات اللاتي يقدمن على هذا العمل.

إنني حين أتحدث عن مثل هذه الملاحظات، لا يعني هذا فقدان الثقة ببعضهم، كلا.

وإن كنت أقول ما من أحدٍ إلا وفي قلبه داعٍ من دواعي الشهوة والغريزة، حتى المؤمن وحتى المؤمنة، يوجد فيه ذلك، لكن يدفعه بالإيمان بالله والتوكل عليه، وما من مجتمعٍ إلا ويوجد فيه قدرٌ من الناس رجالٌ ونساء يكون في قلوبهم مرض، مرض الشهوة والميل للحرام، وحرص على انتهاك الحرمات، وهؤلاء لا شك بأنهم جزءٌ من المجتمع، فإذا تحدثنا عن المجتمع السعودي -مثلاً- عرفنا أن كل مدينة يوجد فيها أسرة أو أسر أو أفراد من هذا النمط، وعلى هذا الطراز ويحتاجون إلى أن يؤخذوا بالقوة، وإذا تصورنا المجتمع الكويتي مثلاً، وقد خرج بقضه وقضيضه حتى إنني سمعت في بعض الإحصائيات، أن عدد الأسر التي خرجت يزيد على خمسمائة ألف أٍسرة، إذا تصورنا هذا العدد الهائل، فإننا نجزم أن فيمن خرج من يكون في الأصل، وفي أول حياته غير متدين، ومن يكون علمانياً وبيته بعيدٌ عن الدين، بل من قد يكون من أصحاب مذاهب، أو اتجاهاتٍ أخرى، هذا كله قد يوجد قلَّ أو كثر، ولذلك فإننا نعتقد ونعتبر أن ذكر مثل هذه الملاحظات أمر في غاية الأهمية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015