تصور أن المصيبة كان يمكن أن تكون أعظم مما كان، ففاقد المال -مثلاً- يتصور أنه كان يمكن أن يفقد الولد أيضاً، وفاقد الولد يتصور أنه كان يمكن أن يفقد النفس أيضاً، ومن أصيب بمرضٍ هين يتصور أن مرضه كان يمكن أن يكون مرضاً خطيراً مستعصياً لا علاج له، ومن كان مرضه غير مؤلمٍ يتذكر الذين يتقلبون الليل لا ينامونه من شدة الألم، وهكذا كل من أصيب بمصيبة، تذكر من هو أشد منه مصيبةً منه، فإذا زاد تذكره حتى يتذكر المعذبين في نار جهنم وما يقاسون من الآلام، والسعير، والحر الذي لا يمكن أن يتصوره إنسان في هذه الدار، فيتضرع لله تعالى أن لا يجمع له بين عذابين وأن لا يجعل في قلبه خوفين؛ خوفٌ في الدنيا، وخوفٌ في الآخرة، وعذابٌ في الدنيا، وعذاب النار.
وقد يدفع الله تبارك وتعالى عنك بهذه المصيبة شراً لم تكن تتصوره أو تتوقعه، تصور معي أن شعباً هُجِّرَ من بلده، وأخرج من داره بغير حق، وشرد من وطنه، فربما كان هذا الوطن بعد حينٍ ميداناً لحربٍ تقضي على الأخضر واليابس، أو محلاً لأسلحةٍ كيماوية تدمر الإنسان تدميراً، أو ميداناً لقنابل جرثومية لا تبقي ولا تذر، فحينئذٍ يتذكر الإنسان أن كل مصيبة يمكن أن يكون في طيها نعمة، وأنه إذا ما ابتلي بمصيبةٍ يتذكر ما هو أكبر منها.