وقوع الشرك في هذه الأمة

ولعل من أبرز وأظهر الأدلة: قضية الشرك، فالنصوص القرآنية والنبوية الواردة في النهى عن الشرك لا أظنها تحتاج إلى ذكر أو بيان؛ لأن الشرك هو أكبر الكبائر وأعظم الذنوب أن تجعل لله نداً وهو خلقك، ولذلك فإن معظم ما ورد من النصوص القرآنية والنبوية كانت في التحذير من الشرك بألوانه وأنواعه، سواء الشرك في الربوبية، أو الشرك في الألوهية، أو الشرك في الأسماء والصفات، أو الشرك الظاهر أو الخفي إلى غير ذلك، فالشرك هو أعظم الذنوب على الإطلاق، وقد نهى الله ورسوله عنه أيما نهي، ومع ذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشرك سيقع، بل أخبر عليه الصلاة والسلام: أن الشرك سيقع حتى من المنتسبين للإسلام، بل حتى في جزيرة العرب، وخذ على سبيل المثال هذين الحديثين: الحديث الأول: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخُلَصة} ذو الخلصة: صنم كانوا يعبدونه يسمى ذو الخلصة، وقد حطمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر مع ذلك أن الساعة لن تقوم حتى تأتي نساء دوس يعني قبائل من قبائل العرب في الحجاز، فتضطرب إلياتهن، ويدرن ويتحركن ويذهبن إلى ذي الخلصة، أي: يعبد من دون الله عز وجل، فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه في آخر الزمان تعبد الأصنام هذه في كل مكان، إذا كانت عبدت في هذه الجزيرة فمن باب أولى أن تعبد في غيرها من بلاد الدنيا.

مثال آخر: حديث ثوبان، وفي آخره قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان} يعبدون الأوثان سواء كانت أوثاناً حسية كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أو أوثاناً معنوية مثل: عبادة الطاغوت، والقانون والحكم بغير ما أنزل الله؛ هذه عبادة الوثن، أو عبادة البشر مثل: أن تطيعهم في معصية الله عز وجل، تطيع فلاناً، لأنه عالم أو حاكم أو غير ذلك، وأنت تعرف في قرارة نفسك وبعلمك أن هذا الأمر الذي أطعته فيه هو في معصية الله عز وجل، فهذه من العبادة.

أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم فاحبسي الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيد الدرهم إذاً: قد يحدث أن يخبرنا الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أمراً من الأمور سيقع، ومع ذلك فهذا الأمر منهي عنه، فنقول: نحن متعبدون بأمر الله ونهيه عن هذا الأمر، أما كونه سيقع أو لا يقع هذا لا حيلة لنا فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015