إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، إمام المجاهدين، وسيد المتعبدين، بذل نفسه في ذات الله جل وعلا، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين من ربه، وقد رأى بعينه نصر الله عز وجل لهذا الدين، كما قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1-3] .
نعم أيها الأحبة: لقد أحببت أن يكون عنوان المحاضرة بذاته معبراً ودالاً على معنىً يفهمه من قرأه أو سمعه، حتى ولو لم يسمع مضمونه، إن الأمة تمر بمرحلة جديدة، وهذه القضية قضية مسلَّمة أو يجب أن تكون مسلَّمة للجميع، لا أظن أن هناك من يجادل في هذا، إلا أولئك الناس الذين انسلخوا عن الأمة، أقول: انسلخوا؛ إما بتبنيهم لمذاهب وأديان ونظريات وقيم مخالفة لما عليه أمتهم، كالعلمانيين، والحداثيين، واليساريين، والقوميين، وغيرهم، وحتى هؤلاء يوافقوننا على أن الأمة تمر بمرحلة جديدة، لكنهم يفسرون هذه المرحلة تفسيراً آخر، وإما إنسان قد رضي من الغنيمة بالإياب، وعزل نفسه عن الواقع، فأصبح لا يسمع ولا يبصر ولا يفكر ولا يعي ولا يشعر ولا يدري ارتفعت الأمة أم انخفضت، علت أم هبطت، عزَّت أم ذلَّت، فما دام أنه قد سلمت له دنياه، ومادام المرتب يقبض في آخر الشهر كاملاً غير منقوص، ومادامت المؤن والأرز والسكر والشاي والقهوة والطحين متوفرة، وما دامت الكهرباء والغاز متوفرة، إذاً فالأمة لا تمر بمرحلة جديدة؛ لأن المرحلة الجديدة عند هذا الإنسان هي أن ينفد الطحين، أو ينتهي السكر من الأسواق، أو ما أشبه ذلك، لأنه إنسان أصبح همه مقصوراً على شهواته الذاتية الخاصة، لا يعيش آلام الأمة ولا همومها، إنما يعيش آلام نفسه وهمومها، فلو بُخِسَ من دنياه شيئاً يسيراً لأقام الدنيا وأقعدها، لكن لا يضيره ما بُخِسَ بل ما بُخِسَتْ الأمةُ كلُّها من أمر دينه، فهذا قد ينازعنا أيضاً في أن الأمة تمر بمرحلة جديدة.
وإلا فمن عدا هؤلاء من مختلف المشارب، والنظرات، والاتجاهات، والأفكار، والبيئات، يتفقون على أن الأمة المسلمة تعيش مرحلة جديدة، ووضعاً غريباً، لم يسبق أن عاشته قبل على كافة المستويات، حين نقول: مرحلة جديدة لا يجب أن تتصوروا أيها الأحبة أننا نقصد أنها مرحلة سلبية من كل جوانبها، أبداً، إنها مرحلة جديدة بسلبياتها وإيجابياتها، وخيرها وشرها، ونورها وظلامها، وحسنها وقبيحها، لكنها مرحلة جديدة.