كذلك المطالبة باستتباب الأمن وضبط الأحوال, وتطبيق حدود الله تعالى على عباده, وتنظيم القضاء الشرعي, وغير ذلك وبشكل عام، فحتى حين تقوم حكومة إسلامية للمجاهدين في أفغانستان, ليس معنى هذا نهاية المطاف أبداً, بل إنهم ورثوا بلداً قد حطمته الحروب، وأكلت الأخضر واليابس, والناس يتطلعون إلى ما يصنعه المجاهدون لهم هناك, من الخدمات والتيسيرات، وجميع دول الدنيا اليوم تتسابق إلى إرضاء شعوبها بتوفير ما يحتاجونه, وتهيئة الحياة الكريمة لهم, وهذا قبل ذلك كله، هو ما ينشده الإسلام ويدعو إليه.
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، ضمن حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به} , وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه: {ما من عبدٍ يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة} , وفي صحيح مسلم أيضاً عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن شر الرعاء الحطمة} , أي: الذي يسوق رعيته بالقوة والشدة.
فإننا ندعو المجاهدين إلى أن ينتقلوا إلى هذه الآفاق الواسعة، ويكونوا على مستوى التحدي الذي يواجههم الآن في أفغانستان, ونحن على ثقةٍ كبيرة -إن شاء الله- أنهم أهلٌ لهذه المهمة, ونسأل الله تعالى أن يرينا فيهم ما تقر به عيوننا.
إن المعركة الآن تبدأ وفق مرحلةٍ جديدة، ولا يجوز أن تلقي باللوم والمسؤولية على إخواننا المجاهدين في أفغانستان، ثم نتخلى! كلا ثم كلا! إن دورهم كبير؛ ولكن ثمة دور للمسلمين في كل مكان, بل نقول الآن: بدأ الجهاد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه النسائي وغيره, الآن بدأ القتال والجهاد الجدي العظيم, ولذلك فما أحوج المسلمين في أفغانستان إلى الدعم المادي من إخوانهم المسلمين, المتمثل في التبرعات التي يجب أن تستمر, لإقامة المدارس، وبناء المساجد، والإعمار, ومساعدة الفقراء, ونشر الكتب, ونشر العلم، والقيام بالدعوة, وتحقيق مطامح المسلمين هناك في كل مجالاتها, وتحصين هذا البلد ضد خصومه الداخليين والخارجيين.
فيجب أن تستمر جهود المسلمين في هذا البلد، وفي كل بلد لدعم إخواننا المجاهدين في أفغانستان، ويجب أن يكون هذا النصر الكبير الذي نسمع به الآن, ونسأل الله تعالى أن يتمه، أن يكون حافزاً ودافعاً لأصحاب الأموال للمساهمة في دعم الجهاد الأفغاني, ويجب أن يكون هذا الدعم وهذا من نافلة القول، في أيدٍ أمينة توصله إلى من تعتقد أنه لها أهل وتصرفه في الميادين التي تناسب, ولا نكتفي بهذا الدعم؛ بل لا بد من الدعم المادي بكافة صوره, فإن الدعم المادي يجب أن يستمر إعلامياً، ودعوياً، وبكل وسيلةٍ وأسلوبٍ نستطيع بها أن ندعم إخواننا المجاهدين هناك.
وإنني أعتبر أيها الأحبة أن رفع الأكف بالضراعة والدعاء إلى رب العالمين، خاصةً في الأسحار, وفي أوقات إجابة الدعاء, أنه من أعظم أسباب النصر والتمكين, وقد رأينا بأعيننا آثار هذا الدعاء في أمور كثيرة رأيناها وسمعناها.
فينبغي أن نرفع أيدينا بدعوات ضارعة حارة إلى الله عز وجل.
الخاتمة: ولهذا أختم هذا المجلس الحافل العامر المبارك بهذا الدعاء الذي أسأل الله ألا يحجبه: اللهم يا مالك يوم الدين، ويا ناصر المستضعفين ويا جابر المنكسرين، ويا غياث المستغيثين يا الله يا الله يا حي يا قيوم يا من لا إله إلا هو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد, اللهم إن آمال المسلمين قد تعلقت بالجهاد في أفغانستان, فحقق فيما يرضيك آمالهم, وبلغهم سؤلهم وأقر عيونهم بقيام دولة تحكم بالإسلام هناك, اللهم اجمع كلمة المجاهدين على الحق يا رحيم, اللهم ألّف بين قلوبهم, اللهم اهدهم سبل السلام, اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور, اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم اكفهم شر نفوسهم، وشر كل ذي شر, وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم, اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم, وعراةٌ فاكسهم, وجياعٌ فأطعمهم, ومتفرقون فاجمعهم.
اللهم اجمع قلوبهم على الهدى, وأبعدهم عن أسباب الردى, اللهم من أرادهم بسوء من داخلهم أو خارجهم فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره، وأدر عليه دائرة السوء يا حي يا قيوم, اللهم إن قلوب المسلمين مجروحة مكلومة، مما حصل لهم من بقاع كثيرة، آخرها ما أصابهم في الجزائر, وفي تونس وفي يوغسلافيا وفي بورما فيا سامع الصوت ويا سابق الفوت، ويا محول الأحوال، ويا من يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب، نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت, وإذا دعيت به أجبت, أن تجبر كسر قلوبهم وقلوب المسلمين بتحقيق النصر لهم في أفغانستان عاجلاً غير آجل, وأن تجمع الأطراف كلها على الحق يا رحمن يا رحيم, وأن تزيل أسباب العداوة والشحناء فيما بينهم.
اللهم وفق علماء المسلمين ودعاتهم إلى أن يقوموا بواجبهم في الإصلاح، وجمع الكلمة بين المجاهدين, اللهم وفق سائر المسلمين إلى مناصرة إخوانهم في أفغانستان، وفي غيرها بالقول والفعل والدعاء.
اللهم يا حي يا قيوم يا قريب يا مجيب، يا واحد يا أحد يا صمد, يا الله هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان, إنه لا حول ولا قوة إلا بك, فلا تكلهم إلى أنفسهم، ولا إلى أحد من خلقك يا حي يا قيوم, وكن بهم رؤوفاً رحيما إنك على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.