الملاحظة الثانية في صلاة التراويح: أن الصلاة عموماً بما في ذلك النافلة، إنما شرعت لتهذيب النفوس، وتصفية القلوب وتطهيرها من الحقد والحسد والبغضاء، وجعل قلوب المؤمنين متحابة متقاربة، وهذا من أعظم مقاصد العبادات، ففيها تهذيب وتطهير وتصحيح للنفوس، وهذا أمر ملحوظ، فإن العبد إذا أقبل على صلاته صفت نفسه ورق قلبه، واستغفر ربه من ذنبه، فكيف يجوز ويسوغ في منطق العقل؛ أن نجعل هذا الأمر الذي شرعه الله تعالى لتصفية القلوب وتطهير النفوس، وتحبيب المؤمنين بعضهم إلى بعض، ميداناً للخصام والتنافر والتباغض والتحاسد فيما بيننا؟! هذا يقع من بعض طلبة العلم؛ حينما يسودون الصفحات الطويلة في الخصام في صلاة التراويح، كم هي، ورد بعضهم على بعض، وهجوم بعضهم على بعض، وتشهير بعضهم ببعض، ويقع هذا عند طلبة العلم، وعند العامة في المساجد، فإذا جاء رمضان بدأ الخصام والشجار في التراويح، فمن قائل: صلِّ عشراً وآخر صلِّ عشرين، واختلفت الجماعة على الإمام، فبعضهم نريد عشراً وبعضهم يقول نريد خمساً، وبعضهم يريد أقل وبعضهم يريد أكثر، وبعضهم يقول: طول وبعضهم يقول: أسرع.
وهكذا تتحول العبادة التي شرعها الله عز وجل لتهذيب النفوس والأفراد والمجتمعات وجمع الكلمة، في نفوس المسلمين المتأخرين المتخلفين في هذا العصر، إلى ميدان للتنافر والتطاحن والتباغض والتباعد، فتنعكس الآية ويضعف تأثير هذه العبادات في نفوس كثير من الناس.