الوقفة الثانية عشرة: هي مع القيام.
فكما أن رمضان شهر الصيام فهو شهر القيام، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:1-5] ويقول عز وجل في صفة عبادة المحسنين: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17-18] .
ولذلك ثبت في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل} وفي سنن الترمذي بسند صحيح، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: {لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة سمعت الناس يقولون: جاء محمد جاء محمد، وانجفل الناس إليه -أي هرعوا وركضوا وأسرعوا إليه، وكان عبد الله بن سلام يهودياً لم يسلم بعد- قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنظرت في وجهه، فلما استثبت في وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب.
قال: فسمعته يقول: يا أيها الناس، أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وأفشوا السلام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام} .
وفي رمضان خاصة قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -: {من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه، كما ثبت ذلك من حديث عائشة في الصحيحين: {أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ليلة فصلى رجال بصلاته، فلما كان من الليلة الثانية كثر الناس فصلوا بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الليلة الثالثة أو الرابعة كثر الناس حتى عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ثم قال لهم: قد عرفت مكانكم، ولكنني خشيت أن تفرض عليكم، ما منعني من الخروج إليكم إلا أنني خشيت أن تفرض عليكم، فصلوا -أيها الناس- في بيوتكم} فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة القيام في رمضان ليلتين أو ثلاثاً.
وكذلك حديث أبي ذر، الذي رواه أهل السنن وسنده صحيح، قال: {لم يقم بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى بقي سبع ليال، فصلى بنا حتى كان ثلث الليل، فلما كان من الليلة الثانية لم يصل بنا، فلما كان من الليلة الثالثة صلىَّ بنا حتى مضى شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: لو صليت بنا بقية الليلة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.
ثم قام بهم بعدها صلى الله عليه وسلم الليل كله، قال: حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح} والفلاح هو السحور، يعني صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى خشوا أن يفوتهم السحور.
وهاهنا في موضوع قيام الليل في رمضان خاصة، لنا عدة ملاحظات: