إن في القرآن الكريم من البلاغة والإعجاز، ما لا يستطيع أحد من البشر أن يدخل فيه شيئاً، ولذلك ذكر القرطبي وغيره من المفسرين، قصة حدثت في عهد بعض خلفاء بني العباس، وهي: أن يهودياً دخل على هذا الخليفة، فتكلم في حضرته بكلام أعجب الخليفة، فدعاه إلى الإسلام فرفض، ثم خرج من عنده، فلما مضت سنة دخل هذا الرجل على الخليفة، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتعجب الخليفة من ذلك، وقال له: إني دعوتك العام المنصرم إلى الإسلام فأبيت، وكان حرياً أن تُسلم لما رأيت من عقلك وحلمك وعلمك، فما الذي دعاك اليوم إلى الإسلام؟! فقال: يا أمير المؤمنين، إنني خرجت من عندك فأحببت أن أبتلي وأختبر الأديان كلها، فأتيت بنسخة من التوراة، وكنت أحسن الخط، فكتبت منها كتباً، وحرفت فيها وغيرت وبدلت، ثم وقفت بها على باب بيعة من بيع اليهود، فاشتروها مني بأغلى الأثمان.
ثم أتيت إلى نسخة من الإنجيل، فكتبت منها كتباً، فحرفت فيها وبدلت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الكنيسة، فاشتراها مني النصارى بأغلى الأثمان.
ثم عمدت إلى نسخة من المصحف فكتبتها، وحرفت فيها وغيرت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الجامع، فوقف الناس بعد الصلاة عندي، ونظروا في هذه النسخ، وقلبوها؛ فاكتشفوا ما فيها من التحريف والتزوير، والنقص والزيادة، فأخذوها مني وأحرقوها، وضربوني عند باب المسجد، فعرفت أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله، فذلك الذي دعاني إلى الإسلام.
وهذا مصداق قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] على ما هو مشتهر عند أكثر علماء الأصول وغيرهم، من أن المقصود بالذكر في هذه الآية هو: القرآن.
وإن كان الإمام ابن حزم رحمه الله، ذهب في كتابه إحكام الأحكام إلى أن المقصود بالذكر: القرآن والسنة.
وبناءً عليه؛ فإنه يستحيل أن يدخل أحد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، ويروج هذا الحديث على أهل العلم وهو غير صحيح.
وهذا حقيقة، أنه لا يمكن أن يصدق العلماء ما افتري على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث.