مزاح نعيمان

ومن أكثر، بل لعله أكثر الصحابة اشتهاراً بالمزاح، رجل اسمه نعيمان وهذا له ذكر في صحيح البخاري، في كتاب الوكالة فيما أذكر، وكان يشرب الخمر، ففي صحيح البخاري {أنه جيء به في البيت شارباً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فضرب، قال الراوي: فكنت فيمن ضربه} .

وورد في موضع آخر {أن رجلاً جيء به قد شرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلد، فقال رجل من الحضور: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به! فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: لا تعن الشيطان على أخيك، وقال: إنه يحب الله ورسوله} ويحتمل أن تكون القصة وقعت لشخص واحد، ويحتمل أن تكون لشخصين والله تبارك وتعالى أعلم.

المهم أن نعيمان هذا من أكثر المزاحين، {كان إذا وجد في السوق شيئاً يباع -عسلاً أو شيئاً طريفاً يباع- اشتراه، وقال للبائع: أذهب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيعطيه الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: هذا لك هدية، وبعد قليل يأتي البائع إلى للرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه الثمن، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذه إحدى هنات نعيمان، وكان هذا يحدث كثيراً فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: ما حملك على هذا؟ يقول: يا رسول الله، رأيت شيئاً حسناً أحببته لك، ولم يكن معي ما أشتريه به} .

ونعيمان وردت له قصص كثيرة، في صحتها نظر، لكن من أصح ما ورد: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أم سلمة رضي الله عنها، ورواه أيضاً الطيالسي وابن ماجة وغيرهم، بسند فيه رجل يقال له زمعة بن صالح، وزمعة بن صالح هذا فيه مقال، وإن كان مسلم خرج له في الصحيح، ولكن فيه ضعف يسير.

والحديث له شاهد آخر عند الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح: {أن أبا بكر رضي الله عنه خرج في تجارة إلى الشام، إلى بصرى، قبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سنة.

وكان معه نعيمان هذا، ومعه رجل اسمه سليط بن حرملة، وكان سليط بن حرملة هو المسئول عن التموين في تلك السفرة، فجاء إليه نعيمان يوماً، وقال له: أطعمني، فقال له: لا، حتى يأتي أبو بكر، فألح عليه فقال: لا، حتى يأتي أبو بكر، فقال: لأسوأنك، فمر قوم من العرب، فجاء إليهم نعيمان وقال: هاهنا عندي عبد فاره قوي جيد، أتريدون أن تشتروه مني؟ قالوا: نعم، قال: هاهو، ولكنه رجل لسن -لسانه طويل- فإذا شريتموه سيقول: أنا حر، أنا ابن عمه، أنا كذا أنا كذا، فإذا كنتم ستطلقونه فلا تفسدوا عليَّ عبدي، قالوا: لا، نحن نمسك به، فاشتروه منه بعشر قلائص -عشر نوق- فأخذها نعيمان.

ثم جاء إلى سليط، فقال: هذا هو فأمسكوا به ووضعوا العمامة في عنقه وجروه، فقال: أنا حر، هذا يضحك عليكم، هذا يريد أن يسوءني، هذا ابن عمي، هذا كذا هذا كذا، قالوا: لا، قد أخبرنا أمرك.

وذهبوا به، فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه، أخبره بالخبر فلحق بهم وأطلقه ورد إليهم قلائصهم، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يضحكون من هذه القصة حولاً كاملاً وهم يضحكون من هذا الخبر} .

ولـ نعيمان قصة مع مخرمة بن نوفل عجيبة جداً، ذكرها الزبير بن بكار، وذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة، وفيها: [[أن مخرمة بن نوفل كان رجلاً فقد بصره في آخر عمره -عمي وفقد بصره، أو ضعف بصره جداً- فكان في المسجد، فقام في يوم من الأيام ليقضي حاجته، فأمسك به نعيمان ودار به في المسجد، ثم أجلسه في ناحية منه، فلما قعد قام إليه الناس، وقالوا له: أنت في المسجد.

فقال: من الذي جاء بي إلى هنا؟ قالوا: نعيمان، قال: لأفعلن به ولأفعلن -يهدده- فكان نعيمان يتهرب منه يوماً بعد يوم، حتى نسي مخرمة رضي الله عنه الخبر.

فجاء إليه في يوم من الأيام وقال له: هل لك في نعيمان؟ -غيّر صوته- قال: أين هو؟ قال: هاهو في المسجد، قال دلني عليه بارك الله فيك.

وكان هذا في عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، وكان عثمان بن عفان يتنفل في المسجد، فجاء حتى أوقفه على رأس عثمان، وقال له: هو هذا، فأمسك مخرمة بعصا كانت معه بيديه وضرب بها عثمان رضي الله عنه، فلما سلم عثمان التفت، فإذا هو مخرمة.

فعرف أنه ضرب عثمان فقال: من دلني عليك؟ قالوا: نعيمان قال: لا جرم، لا تعرضت له بسوء أبداً]] .

وهذه القصة -كما قلت- ذكرها الزبير بن بكار، وذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة، وأنا في شك منها، أظن أنها لا تصح عنه رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن فيها تجاوزاً ومخالفة، يبعد أن تصدر منه، وإن كان البشر قد يخطئون، لكن الذي يظهر لي أنه ليس لها سند يعتمد عليه ويوثق به.

المهم أنه كان من أشهر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دعابة، وله قصص كثيرة جداً أُعرض عنها لطولها -كما ذكرت- ولأنه لا جدوى من الإطالة بها والاستطراد وراءها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015