العرب تحب المزاح وتكره الاكفهرار

وضد المزاح والتبسم: العبوس والتقطيب والجد والصرامة.

والعرب كانت تمتدح بالأول، وتذم بالثاني، فإذا أرادت العرب أن تمدح شخصاً قالت: فلان بسام الثنايا، طلق الوجه، بشوش للضيف، ويعتبرون هذا مما يمدح به الإنسان؛ لأنه يدل على كرم أخلاقه، وحسن معشره وطيب معاملته، وقد يذمون بالآخر وهو الاكفهرار والعبوس.

فيقولون: فلان عبوس الوجه، جهم المحيا، كريه المنظر، حامض الوجه، كأنما وجهه بالخل منضوح، أي: كأنما وضع الخل على وجهه فلشدة حموضته قطب واكفهرت أساريره، وكأنما أسعط خيشومه بالخردل، أي: كأنما وضح الخردل في أنفه سعوطاً فكان مقطباً: فالعرب تمدح بالأول وتذم بالثاني.

ولاشك أن العرب يقصدون الأمر المعتدل من ذلك، وإلا فإن المزاح -كما سيأتي- إذا زاد وتعدى كان مهانة وذلاً وضعةً من قدر صاحبه، كأن يجرئ عليه الصبي الصغير، والسفيه والأحمق والجاهل، فإنما يقصد العرب من ذلك: ما يكون على حد الاعتدال والتوازن، لا إفراط ولا تفريط؛ ولذلك يقول أبو تمام -يمدح رجلاً-: الجد شيمته وفيه دعابة طوراً ولا جد لمن لا يلعب فبين أن الجد هو شيمة هذا الإنسان -الأصل عنده الجد- لكن ليس دائماً، ففيه دعابة وفيه فكاهة، (طوراً) أي: حيناً، ولا جد لمن لا يهزل، فإن الإنسان إذا داوم شد الحبل على نفسه فإنه ينقطع، وهذا حتى في سياسة النفس ينبغي أن يتفطن إليه، ولذلك قال عمر رضي الله عنه: [[يعجبني أن يكون الرجل في بيته صبياً]] .

وكان عمر رضي الله عنه وهو الخليفة أحياناً يكون في بيته فيتغنى بأبيات من الشعر، يقرؤها بلحون العرب، كما يردد الواحد منا بيتاً في بيته -أي: بيتاً من الشعر- فربما طرق أحد الباب فسمع عمر وهو يردد هذا البيت من الشعر أو ذاك.

وحتى الجبابرة والمتسلطون يقع منهم ذلك، سئل الحجاج يوماً عن موقفه ومعاشرته مع أهله، فقال: والله ما تعدوننا إلا شياطين، والله لقد رأيتني وأنا أقبل رجل إحداهن.

أي: رجل إحدى زوجاته، فهذه الأشياء لابد منها لكل إنسان، وهي جبلة فطر عليها المرء، ولا مفر له منها، لكن ينبغي أن يكون -كما أسلفت- على حد القصد والاعتدال، لا يخرج إلى إفراط ولا إلى تفريط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015