أمر آخر من آثاره السيئة: أنه أحيانا يؤثر في قلوب من يقال فيهم، ولاشك أن الإنسان بشر، ليس كل إنسان عنده قوة في نفسه بحيث لا يبالي لو سخرت منه أو ضحكت به، هناك من الناس من لا يكترث بذلك؛ لكن غالب الناس يزعجه ذلك ويؤثر فيه، فكيف إذا قلت مثل هذا الأمر بحضرته فنلت منه، أو من أهل بلده؟! لا شك أن هذا يعتبر جرحاً له، ومواجهة له بما يكره، فعلى الإنسان أن يتجنب ذكر ذلك، وأن يحرص على أن لا ينقل مثل هذه الأشياء في المجالس، لئلا يؤذي أحداً من الحاضرين دون أن يشعر، ولو لم يكن نقله على سبيل الجد، كأن ينقل ما يقوله الناس، لكن مع ذلك فإن هذا يؤذي.
أمر ثالث: أنه قد يؤثر فيمن يقال فيهم، أن يصدقوا هذا الأمر عن أنفسهم أيضاً، فيخلد بهم إلى نوع من تصديق ما يقال، وأعني بتصديق ما يقال أنه إذا نقل عن أهل بلد أنهم بخلاء، واستفاض هذا الأمر عنهم واشتهر؛ أصبحوا لا يأنفون من أن يوصفوا بالبخل، فلذلك أصبحوا راضين بالبخل فصدقوا ما يقال عنهم فصاروا بخلاء، وهذا يجعل الناس يقولون: إذاً ما يقال عنهم صحيح، فصارت القضية تلازماً وتناسباً، وذلك كما سبق في مبحث الأسماء، أن الاسم -أحياناً- له تأثير على المسمى، للإنسان من اسمه نصيب.
وقلما أبصرت عيناك ذا لقبٍ إلا ومعناه في اسم منه أو لقب فإذا قيل عن أهل بلد: إنهم بخلاء، وشاع هذا الكلام حتى وصل إليهم، إن الناس يقولون عنكم: إنكم بخلاء، قالوا: إذاً ماذا يمكن أن يقول لنا الناس أكثر من هذا، دعهم وما وصفونا به، فاستقر الأمر فيهم، وصار عندهم نوع من البخل، ليس موجوداً أصلاً، وإنما بسبب ما أشاعه الناس، وكذلك الشأن في المواصفات الأخرى، إذا أُشيع عن أهل بلد ما أنهم أغبياء وفيهم غفلة، تغابوا: ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلت حتى قيل أني جاهل وقعدوا عن إدراك المعالي، والوصول إلى المراقي أو بعضهم، بسبب هذه الإشاعات الباطلة، فهذه من مفاسد ومثالب التركيز على طبقة أو قبيلة أو بلد معين.